وأرعد، وأكثر من الوعيد لأرباب الفساد، فلم يلتفت أحد إلى كلامه، ومضى إلى بيته.
هذا وقد اشتدّ الأمر بالسلطان الملك المؤيّد من الآلام والأرجاف تتواتر بموته، والناس فى هرج إلى أن توفّى «١» قبيل الظّهر من يوم الاثنين تاسع المحرّم من سنة أربع المقدم ذكرها، فارتجّ الناس لموته ساعة ثم سكنوا، وطلع الأمراء القلعة وطلبوا الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة والأعيان لإقامة الأمير أحمد بن السلطان فى السلطنة، فخلع عليه وتسلطن، وتمّ أمره حسبما سنذكره فى محلّه من هذا الكتاب فى حينه إن شاء الله تعالى.
ثم أخذوا فى تجهيز السّلطان الملك المؤيّد وتغسيله [وتكفينه]«٢» .
قال الشيخ تقىّ الدين المقريزى: وأخذ فى جهاز المؤيّد «٣» وصلّى عليه خارج باب القلعة، وحمل إلى الجامع المؤيّدى فدفن بالقبة قبيل العصر، ولم يشهد دفنه كثير أحد من الأمراء والمماليك لتأخّرهم بالقلعة، واتفق فى أمر المؤيّد موعظة فيها أعظم عبرة؛ وهو أنه لما غسّل لم توجد له منشفة ينشّف فيها، فنشّف بمنديل بعض من حضر غسله، ولا وجد له مئزر تستر به عورته حتى أخذ له مئزر صوف صعيدىّ من فوق رأس بعض جوار به فستر به، ولا وجد له طاسة يصبّ بها عليه الماء وهو يغسّل مع كثرة ما خلّفه من الأموال، ومات وقد أناف على الخمسين.
وكانت مدّة ملكه ثمانى سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام، وكان شجاعا مقداما يحبّ أهل العلم ويجالسهم، ويجلّ الشّرع النبوىّ ويذعن له، ولا ينكر على طلب من إذا تحاكم إليه أن يمضى من بين يديه إلى قضاة الشّرع، بل يعجبه ذلك، وينكر على أمرائه معارضة القضاة فى أحكامهم، وكان غير مائل إلى شىء من البدع، وله قيام