فى الليل إلى التهجد أحيانا، إلا أنه كان بخيلا مسّيكا يشحّ حتى بالأكل، لحوحا غضوبا نكدا حسودا معيانا، يتظاهر بأنواع المنكرات، فحّاشا سبّابا، شديد المهابة، حافظا لأصحابه غير مفرّط فيهم ولا مطيع لهم.
وهو أكبر أسباب خراب مصر والشّام؛ لكثرة ما كان يثيره من الشّرور والفتن أيّام نيابته بطرابلس ودمشق، ثم ما أفسده فى أيّام ملكه من كثرة المظالم ونهب البلاد وتسليط أتباعه على الناس يسومونهم الذّلّة، ويأخذون ما قدروا عليه بغير وازع من عقل ولا ناه من دين- انتهى كلام المقريزى برمته بعد تخبيط كثير.
قلت: وكان يمكننى الرّدّ عليه فى جميع ما قاله بحق غير أننى لست مندوبا إلى ذلك، فلهذا أضربت عن تسويد الورق وتضييع الزمان، والذي أعرفه أنا من حاله أنه كان سلطانا جليلا مهابا شجاعا مقداما عاقلا نقّادا. حدثنى الأمير أرنبغا اليونسىّ «١» الناصرى- رحمه الله- قال: كان المؤيد ينظر إلى الرّجل وينقده بعينيه فيعرف من حاله ما يكتفى به عن السؤال عنه، ثم يعطيه من الرّزق والإقطاعات ما يليق بشأنه كما يصف الطبيب الحاذق إلى المريض من الدواء، فإن كان الرجل أعجبه رقّاه فى أقلّ مدّة إلى أعلى المراتب، وإن كان غير ذلك شحّ عليه حتى بالإقطاع الذي يعمل عشرة آلاف درهم فى السنة- انتهى كلام أرنبغا.
قلت: هذا هو المطلوب من الملوك وإلّا يضيع الصّالح بالطّالح.
وكان المؤيّد عالى الهمة، كثير الحركات والأسفار، جيّد التدبير، حسن السياسة، يباشر الأحكام بنفسه، مع معرفة تامة وحذق وفطنة وجودة حدس فى أموره، عظيم السّطوة على مماليكه وأمرائه، هيّنا مع جلسائه وندمائه، طروبا يميل إلى سماع الشعر والأصوات الطيّبة، على أنه كان يحسن أيضا أداء الموسيقى ويقوله فى مجالس أنسه، وكان يميل إلى الدّقّة الأدبيّة ويفهمها بسرعة. قيل: أنه نظر مرّة إلى اسمه وهو