ثم الملك المؤيد شيخ، ببستانه بجزيرة الفيل المعروف ببستان الحلّى فى ليلة الجمعة مستهلّ شهر ربيع الأوّل، وقد انتهت إليه الرياسة فى الضّرب بالعود، وخلّف مالا جزيلا، وكان فيه تكبّر وشمم، وكان حظيّا عند الملوك، نالته السعادة بسبب آلته وغنائه، ومات وهو فى عشر السبعين، ولم يخلف بعده مثله إلى يومنا هذا، ومع قوته فى العود ومعرفته بالموسيقى لم يصنّف شيئا فى الموسيقى، كما كانت عادة من قبله من الأستاذين- انتهى.
وتوفى الأمير الوزير فخر الدين عبد الغنى ابن الوزير تاج الدين عبد الرزّاق بن أبى الفرج بن نقولا «١» الأرمنىّ الملكى أستادار العالية، فى يوم الاثنين النّصف من شوال، بداره بين السورين من القاهرة، ودفن بجامعه «٢» الذي أنشأه تجاه داره المذكورة، وتولى الأستادارية من بعده الزّينى أبو بكر بن قطلوبك، المعروف بابن المزوّق، وكان مولد فخر الدين المذكور فى شوال سنة أربع وثمانين وسبعمائة، ونشأ فى كنف والده، ولما ولى أبوه الوزارة من ولاية قطيا فى الأيام الظاهرية برقوق، ولّاه موضعه بقطيا، ثم ولى كشف الوجه الشّرقىّ فى سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، ووضع السيف فى العرب الصالح والطالح، وأسرف فى سفك الدّماء وأخذ الأموال، حتى تجاوز عن الحد فى الظّلم والعسف، ثم طلب الزيادة فى الظلم والفساد، وبذل للملك الناصر أربعين ألف دينار، وولى الأستادارية عوضا عن تاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم فى سنة أربع عشرة المذكورة.
قال المقريزى فوضع يده فى الناس يأخذ أموالهم بغير شبهة من شبه الظلمة حتى داخل الرّعب كلّ برىء، وكثرت الشناعة عليه، وساءت القالة فيه، فصرف فى ذى الحجة من السّنة، وسرّ الناس بعزله سرورا كبيرا، وعوقب عقوبة لم يعهد مثلها فى الكثرة، حتى أيس منه كلّ أحد، ورقّ له أعداؤه، وهو فى ذلك يظهر قوّة النفس،