وشدّة الجلد، مالا يوصف، ثم خلّى عنه، وعاد إلى ولاية قطيا، ثم صرف عنها، وخرج مع الناصر إلى دمشق من غير وظيفة.
فلما قتل الناصر تعلّق بحواشى الأمير شيخ، وأعيد إلى كشف الوجه البحرى،- انتهى كلام المقريزى باختصار.
قلت: ثمّ ولى الأستادارية ثانيا بعد ابن محب الدين فى سنة تسع عشرة وثمانمائة، وسلّم إليه ابن محبّ الدين، فعاقبه وأخذ منه أموالا كثيرة، ثم أضيف إليه الوزر، وتقدّم عند الملك المؤيّد، ثم تغيّر عليه المؤيّد، ففرّ منه فخر الدين المذكور من على حماة إلى بغداد، وغاب هناك إلى أن قدم بأمان من الملك المؤيد وعاد إلى وظيفة الأستادارية، واستمرّ على وظيفته إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره.
قال المقريزى رحمه الله: وكان جبّارا قاسيا شديدا، جلدا عبوسا بعيدا عن الترف، قتل من عباد الله ما لا يحصى، وخرّب إقليم مصر بكماله، وأفقر أهله ظلما وعتوّا وفسادا فى الأرض؛ ليرضى سلطانه، فأخذه الله أخذا وبيلا- انتهى كلام المقريزى [باختصار]«١» .
قلت: لا ينكر عليه ما كان يفعله من الظّلم والجور، فإنه كان من بيت ظلم وعسف، كان عنده جبروت الأرمن، ودهاء النّصارى، وشيطنة الأقباط، وظلم المكسة، فإن أصله من الأرمن، وربّى مع النصارى، وتدرّب بالأقباط، ونشأ مع المكسة بقطيا، فاجتمع فيه من قلّة الدين، وخصائل السّوء ما لم يجتمع فى غيره، ولعمرى لهو أحقّ بقول القائل:[الوافر]
مساوىء لو قسمن على الغوانى ... لما أقهرن إلّا بالطّلاق
قيل إنه لما دفن بقبره بالقبّة من مدرسته سمعه جماعة من الصّوفيّة وغيرهم وهو يصيح فى قبره، وتداول هذا الخبر على أفواه الناس، قلت: وما خفاهم أعظم «٢» ، غير أنى