من عبد الواحد الصّغير رأس نوبة، وعاد إلى دمشق، واتفق مع الأمير جقمق نائب الشام على قتال المصريين لمخالفتهم لما أوصى به الملك المؤيد [شيخ]«١» قبل موته، وكانت وصيّة الملك المؤيد أن يكون ابنه سلطانا، وأن يكون ألطنبغا القرمشى هو المتحدث فى تدبير مملكته، فخالف ذلك الأمير ططر، وصار هو المتحدّث، وأخرج إقطاعات الأمراء المجرّدين صحبته.
وبينما هم فى ذلك بلغهم أن الأمير ططر عزم على الخروج من الدّيار المصرية ومعه السلطان الملك المظفر [أحمد]«٢» إلى البلاد الشامية، فتهيّئوا لقتاله، ثمّ بعد مدّة يسيره وقع بينهما وحشة وتقاتلا، فانهزم جقمق إلى الصبيبة، وملك القرمشىّ دمشق حسبما يأتى ذكره.
هذا ما كان من أمر القرمشى مع يشبك، وأما الأمير ططر فإنه لما بلغه قتل يشبك سرّ بذلك سرورا عظيما، وقال فى نفسه: قد كفيت أمر بعض أعدائى، بل كان يشبك أشدّ عليه من جميع من خالفه- انتهى.
ثم فى يوم الخميس سابع عشر صفر قدم الأمير قجق العيساوىّ حاجب الحجّاب- كان- فى الدولة الناصرية، والأمير بيبغا المظفّرىّ أمير مجلس- كان- من سجن الإسكندرية بأمر الأمير ططر، وقبّلا الأرض بين يدى السلطان، ثم يد الأمير ططر، ثم قدم الأمير يشبك الساقى [الظّاهرى]«٣» الأعرج، وكان الملك المؤيد قد نفاه من دمشق إلى مكّة، لمّا حضر إليه من قلعة حلب فى حصاره الأمير نوروز الحافظى بدمشق، بحيلة دبّرها الملك المؤيد على يشبك المذكور حتى استنزله من قلعة حلب، فإنه كان نائبها من قبل الأمير نوروز، ولما ظفر به المؤيد [شيخ]«٤» أراد قتله فيمن قتله من أصحاب نوروز من الأمراء الظاهرية [برقوق]«٥» ، فشفع فيه الأمير ططر، فأخرجه الملك المؤيد [شيخ]«٦» إلى مكة فأقام بها سنين، ثم نقله إلى القدس، فلم تطل