والبواطن مشغولة لما سيكون، ثم انفض الموكب وبات كلّ أحد على أهبة القتال.
وأصبحوا يوم الثلاثاء سادسه فى تفرقة الأضاحى، فأخذ كلّ مملوك رأسين من الضأن.
ثم تجمعوا أيضا تحت القلعة لطلب النّفقة، وأفحشوا فى الكلام على عادتهم، وتردّدت الرسل بينهم وبين الأتابك جانى بك الصّوفى، وطال النّزاع بينهم، حتى تراضوا [على]«١» أن ينفق فيهم بعد عشرة أيّام من غير أن يعيّن لهم مقدار ما ينفقه فيهم، فانفضّوا على ذلك، وسكن الأمر من جهة المماليك السّلطانية، وانفضّ الموكب من عند الأتابك جانى بك الصّوفى، وطلع الأمير برسباى الدّقماقىّ الدّوادار واللالا إلى طبقة الأشرفيّة هو والأمير طرباى والأمير قصروه، وبعد طلوعهم تكلّم [بعض]«٢» أصحاب جانى بك الصّوفى معه- لمّا رأوا أمره قد عظم- فى نزول الأمراء من القلعة إلى دورهم حتى يتمّ أمره، وتنفذ كلمته، وحسّنوا له ذلك.
وقالوا له: إن لم يقع ذلك وإلا فأمرك غير منتظم؛ فمال الأتابك جانى بك الصّوفى إلى كلامهم- وكان فيه طيش وخفّة- فبعث فى الحال إلى الأمير برسباى الدقماقى أن ينزل من القلعة هو والأمير طرباى حاجب الحجّاب والأمير قصروه رأس نوبة النّوب، وأن يسكنوا بدورهم من القاهرة، ويقيم الأمير جقمق العلائى عند السلطان لا غير، فلما بلغ الأمراء ذلك أراد الأمير برسباى الإفحاش فى الجواب فنهره الأمير طرباى وأسكته، وأجاب بالسّمع والطاعة، وأنّهم ينزلون بعد ثلاثة أيّام، وعاد الرسول إلى الأتابك جانى بك الصّوفى بذلك، فسكت ولم تسكت حواشيه عن ذلك، وهم الأمير يشبك الجكمىّ الأمير آخور الكبير، والأمير قرمش الأعور الظاهرىّ وغيرهما، وعرّفوه أنهم يريدون بذلك إبرام أمره، وألحوا عليه فى أن يرسل إليهم بنزولهم فى اليوم المذكور قبل أن يستفحل أمرهم، فلم يسمع لكون أن الأمير