للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما سمع جانى بك الصوفى كلام سودون من عبد الرحمن وفهمه، حنق منه واشتدّ عضبه، وأغلظ فى الجواب بكلام متحصله: رجل ملك ركن إلىّ وانضم علىّ كيف يمكننى إبعاده لأجل خواطركم؟ ثم أخذ فى الحط على خشداشيته الظاهرية [برقوق] «١» ومجيئهم لإثارة الفتن والشرور، فسكت عند ذلك سودون، وأخذ قرمش يراجعه فى ذلك ويحذّره المخالفة غير مرّة، مدلّا عليه كونه من حواشيه وهو لا يلتفت إلى كلامه، فلما أعياه أمره سكت، فأراد الآخر [أن] «٢» يتكلم فأشار عليه سودون من عبد الرحمن بالسكات، فأمسك عن الكلام.

فتكلم سودون عند ذلك بباطن بأن قال: يا خوند نحن ما قلنا هذا الكلام إلا نظن أن الأمير الكبير ليس له ميل إليه، فلما تحققنا أنه من ألزام الأمير الكبير وأخصّائه فنسكت عن ذلك ونأخذ فى إصلاح الأمر بينه وبين الأمراء لتكون الكلمة واحدة، بحيث إننا نصير فى خدمته كما نكون فى خدمة الأمير الكبير، فانخدع جانى بك لكلامه وظنه [أنه] «٣» على جليّته، وقال: نعم، أما هذا فيكون.

وقاموا عنه ورجع قرمش إلى حال سبيله، وعاد سودون من عبد الرحمن إلى رفقته الأمراء، وذكر لهم الحكاية برمتها، وعظم عليهم الأمر إلى أن قال لهم: تيقنوا جميعكم بأنكم تكونون فى خدمة يشبك الجكمىّ إن أطعتم جانى بك الصّوفى، فإنّ يشبك عنده مقام روحه، وربما إن تمّ له الأمر يعهد بالملك إليه من بعده، فلما سمع الأمراء ذلك قامت قيامتهم، ومالوا بأجمعهم إلى الأمير برسباى الدقماقى الدوادار الكبير والأمير طرباى حاجب الحجّاب، وقالوا: هذا تركنا ونحن خشداشيته لأجل يشبك فما عساه يفعل معنا إن صار الأمر إليه؟ لا والله لا نطيعه ولو ذهبت أرواحنا. وأخذ الجميع فى التدبير عليه فى الباطن، ولقد سمعت هذا القول من الأمير سودون من عبد الرحمن وهو يقول لى فى ضمنه: كان جانى بك الصّوفى مجنونا، أقول له: نحن بأجمعنا فى طاعتك،