يستميله بكل ما وصلت القدرة إليه، فلم يقدر يحوّله عن جانى بك الصوفى، واعتذر بأنه ربّاه فى بلاد الچركس، وأنه كان يحمل جانى بك الصوفى على كتفه، فكيف يمكنه مفارقته؟ فلمّا وقع من أمر جانى بك الصوفى ما وقع، وتمّ أمر الأمير برسباى الدقماقى التفت إلى قرمش، وأخرج إقطاعه، ونفاه إلى دمياط لما كان فى نفسه منه.
ثم فى يوم الاثنين ثانى صفر أمسك الأمير الكبير برسباى الأمير أيتمش الخضرى الظاهرى أحد أمراء العشرات، ونفاه إلى القدس بطّالا «١» .
ثم فى يوم الأربعاء ثامن عشر صفر جمع الأمير الكبير برسباى الدقماقى الصّيارف بالإصطبل السلطانى للنظر فى الدّراهم المؤيدية، فإنه كثر هرش الدراهم منها، ومعنى الهرش أن يبرد من الدّرهم الذي زنته نصف درهم حتى يخفّ ويصير وزنه ربع درهم، فأضرّ ذلك بحال الناس، فأمر الأمير الكبير بإبطال المعاملة بالعدد، واستقرت المعاملة بها وزنا لا عددا، ورسم بأن يكون وزن الدرهم منها بعشرين درهما فلوسا، وأن يكون الدينار الإفرنتىّ بمائتين وعشرين درهما فلوسا، وبأحد عشر درهما من الفضة الموازنة، فشقّ ذلك على الناس كونهم كانوا يتعاملون بالفضة معاددة فصارت الآن بالميزان، واحتاج كل بائع أن يأخذ عنده ميزانا وتشكّوا من ذلك، فلم يلتفت الأمير برسباى إلى كلامهم وهدّدهم، فمشى الحال.
وفى هذا الشهر ابتدأت الوحشة بين الأمير برسباى الدقماقى نظام الملك وبين الأمير الكبير طرباى أتابك العساكر، وتنكر الحال بينهما فى الباطن، وسببه أن الأمير طرباى شقّ عليه استبداد الأمير برسباى الدقماقى بأمور المملكة وحدة، وتردّد الناس إلى بابه، وخاف إن دام ذلك ربما يصير من أمر برسباى ما أشاعه الناس، وكان طرباى يقول فى نفسه: إنه هو الذي مهّد الديار المصرية، ودبّر على قبض جانى بك الصوفى حتى كان من أمره ما كان، ولولاه لم يقدر برسباى على جانى بك الصوفى ولا غيره، وكان الاتفاق بينهما أن يكون أمر المملكة بينهما نصفين بالسّويّة لا يختص أحدهما عن الآخر بأمر