من الأمور، وكان الأمير طرباى فى الأصل من يوم مات الملك الظاهر برقوق «١» متميّزا على برسباى، ويرى أنه هو الأكبر والأعظم فى النّفوس، وأنه هو الذي أقام برسباى فى هذه المنزلة من كونه استمال المماليك السلطانيّة إليه، ونفّرهم عن الأمير الكبير جانى بك الصوفى حتى تمّ له ذلك، وأنه هو الذي خدع جانى بك الصوفى حتى أنزله من باب السلسلة، وقام مع الأمير برسباى إلى أن رضيه الناس بأن يكون مدبّر المملكة، كل ذلك ليكون برسباى تحت أوامره، ولا يفعل شيئا إلا بمشاورته؛ فلما رأى طرباى أن الأمر بخلاف ما أمّله ندم على ما كان من أمره فى حقّ جانى بك الصوفى حيث لا ينفعه النّدم، وتكلّم مع حواشيه فيما يفعله مع الأمير برسباى، وكان له شوكة كبيرة من خشداشيته المماليك الظاهرية [برقوق]«٢» وغيرهم، فأشاروا عليه أن ينقطع عن طلوع الخدمة أياما لينظروا فيما يفعلونه، وكان طرباى مطاعا فى خشداشيته ولهم فيه «٣» محبة زائدة، وتعصّب عظيم له على برسباى، فاغترّ طرباى بكلامهم، وعدى بمماليكه إلى برّ الجيزة حيث هو مربط خيوله على الرّبيع كالمتنزّه، وأقام به بقيّة صفر.
وأما الأمير برسباى لما علم أن الأمير طرباى توغّر خاطره منه، وعلم أنه لا يتم له أمر مع وجوده، أخذ يدبر عليه فيما يفعله معه حتى يمكنه القبض عليه، ثم يفعل ما بدا له، هذا وقد انضم عليه جماعة كبيرة من أمراء الألوف، أعظمهم الأمير سودون من عبد الرحمن الدّوادار الكبير، والأمير قصروه من تمراز رأس نوبة النّوب، والأمير يشبك الساقى الأعرج- وكان أعظمهم دهاء ومعرفة، وله دربة بالأمور- والأمير تغرى بردى المحمودى الناصرى وغيرهم، وباقى الأمراء هم أيضا فى خدمة الأمير برسباى فى الظاهر، غير أنهم فى الباطن جميعهم مع طرباى، ولكنهم حيثما ما أمكنهم الكلام مع برسباى أو طرباى قالوا له: أنت خشداشنا وأغاتنا؛ لأن كليهما من مماليك برقوق، بهذا المقتضى صار الأمير برسباى لا يعرف من هو معه من خشداشيته الظاهرية،