هذا اليوم، وتبعهم المجاهدون فى السّفر فى النيل أرسالا حتى كان آخرهم سفرا فى يوم السبت حادى عشر شهر رجب المذكور.
وكان ليوم خروج المجاهدين بساحل بولاق نهار يجلّ عن الوصف، تجمّع الناس فيه للفرجة على المسافرين من الأقطار والبلاد والنّواحى، حتى صار ساحل بولاق لا يستطيع الرّجل أن يمرّ فيه لحاجته إلا بعد تعب ومشقة زائدة، وعدّى الناس إلى البرّ الغربىّ ببرّ منبابة وبولاق التّكرور، ونصبوا بها الخيم والأخصاص، هذا وقد انتشر البحر بالمراكب التى فيها المتنزّهون، وأمّا بيوت بولاق فلم يقدر على بيت منها إلا من يكون له جاه عريض أو مال كبير، وتقضّى للناس بها أيام سرور وفرح وابتهال إلى الله تعالى بنصر المسلمين وعودهم بالسلامة والغنيمة.
وسار الجميع إلى ثغر دمياط، وثغر الإسكندرية، وتهيّئوا للسفر والسلطان متشوّف لما يرد عليه من أخبار سفرهم.
وبينما هو فى ذلك ورد عليه الخبر فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب المذكور بأن الغزاة مرّوا فى طريقهم «١» إلى رشيد، وأقلعوا من هناك يوم رابع عشرينه، وساروا إلى أن كان يوم الاثنين انكسر منهم نحو أربعة مراكب غرق فيها نحو العشرة أنفس، وكانوا بالقرب من ساحل الإسلام بثغور أعمال مصر، ولما بلغ السلطان ذلك انزعج غاية الانزعاج حتى إنه كاد يهلك، وبكى بكاء كثيرا، وصار فى قلق عظيم، بحيث إن القلعة ضافت عليه، وعزم على عدم سفر الغزاة المذكورين، ثم قوى عنده أنه يرسل الأمير جرباش الكريمىّ قاشق حاجب الحجاب لكشف خبرهم ولعمل مصالحهم وللمشورة مع الأمراء فى أمر السفر، وخرج الأمير جرباش المذكور مسافرا إليهم وترك السلطان فى أمر مريج، وكذلك جميع الناس إلا أنا تباشرت بالنّصر من يومئذ، وقلت: ما بعد الكسر إلا الجبر، وكذا وقع فيما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى، وسار الأمير جرباش إلى العسكر فوجد الذي حصل بالمراكب المذكورة ترميمه سهل، وقد