فلما أصبحوا يوم الخميس ثامن شعبان استشار الملك الأشرف الأمراء فى أمر مماليكه، فأشاروا عليه بأن يرسل يطلب من الأمير الكبير جارقطلو المماليك الذين كانوا سببا لهذه «١» الفتنة، وكانت المماليك الجلبان [لما رأوا]«٢» فى الأمس حالهم فى إدبار أرسلوا يطلبون غرماءهم من مماليك جارقطلو [من السلطان]«٣» فلم يجبهم السلطان إلى ذلك، فأرسل السلطان [بعد ذلك]«٤» للأمير الكبير يطلب مماليكه الذين كانوا فى أوّل هذه الفتنة، فأرسل إليه بجماعة منهم فأخذهم السلطان وضربهم ضربا ليس بذاك، ثم أمر بجبسهم، ووافق ذلك عجز المماليك الجلبان عن قتال الأمير الكبير لعدم اجتماع كلمتهم ولفرار أكثرهم وطلوعهم إلى الطّبقة، فأذعنوا بالصلح وخمدت الفتنة- ولله الحمد- بعد أن كاد أمر هذه الوقعة أن يتّسع إلى الغاية، لأن غالب الأمراء شقّ عليهم ما وقع للأمير الكبير، وقالوا إذا كان هذا يقع للأمير الكبير فنحن من باب أولى وأحقّ لأعظم من هذا، وتنبّه من كان عنده كمين من الملك الأشرف من المماليك المؤيّدية [شيخ]«٥» وغيرهم، وظهر للسلطان لوايح من ذلك فاحتار بين مماليكه وأمرائه إلى أن وقع الصّلح، ومن يومئذ تغيّر خاطر جارقطلو من الملك الأشرف فى الباطن مع خصوصيته بالأشرف حتى أبدى بعض ما كان عنده فى سفرة آمد حسبما يأتى ذكره.
ثم ورد الخبر على السلطان بأن فى خامس شعبان هذا ورد إلى ميناء الإسكندرية خمسة أغربة فيها مقاتلة الفرنج مشحونة بالسلاح، وباتوا بها وقد استعدّ لهم المسلمون، فلما أصبح النهار واقعوهم وقد أدركهم الزّينى عبد القادر بن أبى الفرج الأستادار- وكان مسافرا بترّوجة- ومعه غالب عرب البحيرة نجدة للمسلمين، فلما كثر جمع المسلمين انهزم الفرنج وردّوا من حيث أتوا فى يوم الأحد حادى عشره ولم يقتل من المسلمين سوى فارس واحد من جماعة ابن أبى الفرج.