يكفوا عن القتال أخربوا المدينة، فلم يلتفتوا إلى كلامهم ورموهم بالنّشّاب، فاتّفق العسكر حينئذ على الزّحف وركبوا بأجمعهم وزحفوا على المدينة وجدّوا فى قتالها، فلم يكن غير ساعة إلا وأخذوا المدينة واستولوا عليها، وتعلق أعيان البلد ومقاتلتها بالقلعة، فانتشر العسكر وأتباعهم بالمدينة ينهبون ويأخذون ما وجدوا ويأسرون من ظفروا به، وأمعنوا فى ذلك حتى خرجوا عن الحدّ، وأصبحوا يوم السبت جدّوا فى حصار القلعة، وأرسلوا إلى من بها بالأمان فلم يقبلوا واستمرّوا بالرّمى بالنّشّاب والحجارة وغير ذلك، ونصبوا على القلعة المكاحل والمدافع وأخذوا فى النقوب وباتوا ليلة الأحد على ذلك، وأصبحوا يوم الأحد على ما هم عليه من القتال والحصار إلى وقت الضحى، فضعف أمر من بالقلعة بعد قتال شديد وطلبوا الأمان، فكفّوا عند ذلك عن قتالهم، ونزلت رسلهم إلى الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام، وهو مقدّم العساكر، وكلّموهم فى نزولهم وتسليمهم القلعة، وحلّفوه هو والأمير قصروه نائب حلب «١» على أنهم لا يؤذونهم ولا يقتلون أحدا منهم، فركنوا إلى أيمانهم، ونزل الأمير هابيل بن قرايلك ومعه تسعة «٢» من أعيان أمراء أبيه فى وقت الظهر من يوم الأحد ثانى عشرين شوال المذكور، فتسلمه الأمير أركماس الظاهرىّ الدّوادار الكبير، وركب الأمير سودون من عبد الرحمن ومعه بقية النّواب إلى القلعة، فوجدوا المماليك السلطانية قد وقفوا على باب القلعة ليدخلوا إليها، فكلّمهم النّوّاب فى عدم دخولهم وقالوا لهم: نحن أعطيناهم أمانا، ومنعوهم من الدخول إليها، فأفحشوا فى الرّدّ على النوّاب، فراجعوهم فى ذلك فهمّوا المماليك بقتالهم، وهجموا القلعة بغير رضاء النّوّاب والأمراء ودخلوها، فشقّ ذلك على النّوّاب وعادوا إلى مخيّمهم، فمدّ المماليك أيديهم هم والتّركمان والأعراب والغلمان فى النّهب والسّبى حتى نهبوا جميع ما كان بالقلعة، وأسروا النّساء والصّبيان وأفحشوا بها إلى الغاية.