كلّ واحد منهم سبحة وليس له دأب إلا التوجه للمصلّاة للصلاة على الأموات وأداء الخمس والبكاء [والتوجّه إلى الله تعالى]«١» والتخشّع، وماتت عندنا وصيفة مولدة بعد أن مرضت من ضحى النهار إلى أن ماتت قبل المغرب، فأصبحنا وقد عجز الخدم عن تحصيل تابوت لها، فتولت تغسيلها أمّها وجماعة من العجائز وكفّنوها فى أفخر ثيابها على أحسن وجه، غير أننا لم نلق لها نعشا، وقد ألزمنى التوجه للصلاة على الأمير الكبير بيبغا المظفّرىّ، وعلى الشهابى أحمد بن الأمير تمراز النائب، فوقفت على الباب والميتة محمولة على أيدى بعض الخدم إلى أن اجتازت بنا جنازة امرأة، فأنزلت التابوت غصبا ووضعتها عند الميتة «واشتالتا» على أعناق الرجال، وسارت أمّها وبعض الخدم معها إلى أن قاربت التّربة فأخذوها من التابوت ودفنوها.
ثم بلغ فى جمادى الآخرة [المذكورة]«٢» عدّة من صلّى عليه بمصلاة باب النصر فقط فى يوم واحد زيادة على ثمانمائة ميّت.
ثم فى اليوم المذكور بلغ عدّة من خرج من الأموات من سائر أبواب القاهرة اثنى عشر ألفا وثلاثمائة ميّت محرّرة من الكتبة الحسبة بأمر شخص من أكابر الدّولة وقيل بأمر السلطان، ثم بلغ عدّة من صلّى عليه بمصلّاة باب النصر من الأموات فى العشر الأوسط من جمادى الآخرة المذكورة ألفا ونيفا وثلاثين إنسانا، ويقارب ذلك مصلاة المؤمنى بالرّميلة، فيكون على هذا الحساب مات فى هذا اليوم نحو خمسة عشر ألف إنسان.
قال المقريزى: واتفق فى هذا الوباء غرائب، منها: أنه كان بالقرافة الكبرى والقرافة الصّغرى من السودان نحو ثلاثة آلاف إنسان ما بين رجل وامرأة وصغير وكبير ففنوا بالطاعون حتى لم يبق منهم إلا القليل، ففرّوا إلى أعلى الجبل وباتوا ليلتهم سهّارا لا يأخذهم نوم لشدّة ما نزل بهم من فقد أهليهم، وظلوا يومهم من الغد بالجبل،