الظاهرىّ باستقراره والى القاهرة عوضا عن التاج الشّوبكى وأخيه عمر، ودولات خجا هو أحد أصاغر المماليك الظاهرية برقوق ومن شرارهم، وكان وضيعا تركى الجنس، كثير الشّرّ، يمشى على قدميه بالأسواق فى بعض الأحيان، وكان الملك الأشرف يعرفه أيّام جنديّته ويتوقّى شرّه، فلما تسلطن ولّاه الكشوفيّة ببعض النواحى، فأباد أهل تلك الناحية، ثم ولّاه الكشف بالوجه القبلى فتنوّع فى عذاب أهل الفساد وقطّاع الطريق أنواعا كثيرة، منها: أنه كان إذا قبض على الحرامى أمسكه ونفخ بالكير فى دبره حتى تندر «١» عيناه وينفلق دماغه، ومنها أنه كان يعلّق الرجل منكسا ولا يزال يرمى عليه بالنّشّاب إلى أن يموت، وأشياء كثيرة من ذلك، فلما ولى الولاية بالقاهرة أوّل ما بدأ به أنه أفرج عن جميع أرباب «٢» الجرائم من الحبوس، وحلف لهم أنه متى ظفر بأحد منهم وقد سرق ليوسطنّه، وأرهب إرهابا عظيما، وصار يركب فى الليل ويطوف بحرمة زائدة عن الحد، وصدق فى يمينة فى السّرّاق فما وقع له سارق ممن أطلقه- وقد كتب أسماءهم عنده- إلا وسّطه، فذعر أهل الفساد منه، وانكفّوا عن السّرقة، ثم أخذ فى التضييق على الناس وإلزامهم بإلزامات منها: أنه أمرهم بكنس الشوارع ثم رشّها بالماء، وبتعليق كل سوقى قنديلا على دكّانه، وعاقب على ذلك خلائق، ثم منع النساء من الخروج إلى التّرب فى أيّام الجمع، وأشياء كثيرة إلى أن سئمته الناس وعزله الأشرف عنهم حسبما يأتى ذكره.
ثم أرسل السلطان يطلب قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن الكشك الحنفى ليستقرّ فى كتابة سرّ مصر بعد موت شهاب الدين أحمد بن السّفاح، على أنه يحمل بسبب ذلك عشرة آلاف دينار، فقدم جوابه فى يوم الاثنين ثالث شوّال فى ضمن كتاب الأمير جارقطلو نائب الشام على يد نجّاب، وهو يعتذر لعدم حضوره بضعف بصره وآلام تعتريه، وأرسل بمبلغ من الذّهب له صورة، فأعفاه السلطان عن ذلك،