واستدعى الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناح وخلع عليه فى يوم الثلاثاء «١» رابعه باستقراره كاتب السّرّ الشريف مضافا إلى الوزر، ولم يقع ذلك فى الدّولة التركية لأحد أنّ الوزر وكتابة السرّ اجتمعا لواحد معا، ونزل الصاحب كريم الدين فى موكب جليل وباشر وظيفة كتابة السرّ والوزر، مع بعده عن صناعة الإنشاء، وعن كل فضيلة، وقلّة دربته بقراءة القصص والمطالعات الواردة من الأعمال والأقطار، وكان مع ما هو فيه من الجهل أجهر العينين لا ينظر فى الكتابة إلا من قريب، وفى صوته خشونة، فكان إذا أمسك الكتاب فى يده ليقرأه على السلطان تنظر أعاجيب من تبحّره فى الكتاب بعينه، ثم من توقّفه فى القراءة، ثم من اللّحن الفاحش الخارج عن الحدّ، مع أن قراءته للكتب ما كانت إلا نادرا، وفى الغالب لا يقرؤها على السلطان إلا القاضى شرف الدين الأشقر نائب كاتب السرّ، وكنت أظن أن الأشرف إنما ولّى كريم الدين هذا لكتابة السرّ إلا ليطيّت خاطره ويقويه حتى يعيده إلى وظيفة الأستادارية، فإنه كان ماهرا بتدبير أمور الوزر والأستادارية، جيد التنفيذ فيها إلى الغاية، لم تر عينى بعده أحسن [تدبيرا]«٢» وتصرفا منه فى فنّه، غير أنه ليس من خيل هذا الميدان، وبين معرفته بفنه والدّربة بصناعة الإنشاء زحام، إلى أن كان بعض الأيام والأشرف جالس، وقدم الصاحب كريم الدين هذا، فلمّا رآه الأشرف من بعيد قال لمن حوله: هل رأيتم كاتب سرّ أحشم من هذا ولا أمثل؟ فقال له من حضر:
لا والله يا خوند، فعند ذلك تحقّقت خلاف ما كنت أظن وعلمت أن القوم فى واد والأمم السالفة فى واد.
ثم فى يوم الخميس ثالث عشر شوال المذكور ابتدأ السّلطان بالجلوس فى الإيوان بدار العدل من قلعة الجبل، وكان قد ترك الملوك الجلوس به بعد الملك الظاهر برقوق فى يومى الاثنين والخميس إلا فى النادر أيام خدمة الإيوان عند قدوم قصّاد ملوك الأقطار،