العساكر مدد العين، وصار الرجل من العسكر إذا تكلم مع رفيقه لا يسمع رفيقه كلامه إلا بعد جهد كبير لعظم الغوغاء، فانذهل أهل آمد مما عاينوا من كثرة هذه العساكر وشدة بأسها وحسن زيّهم، ومن التّجمّل الزائد فى العدد والآلات والخيول والأسلحة، والكثرة الخارجة عن الحد فى العدد.
وكان قرايلك قبل أن يخرج «١» من مدينة آمد، أمر أن يطلق الماء على أراضى آمد من خارج البلد من دجلة، ففعلوا ذلك فارتطمت «٢» خيول كثير من العسكر بالماء والطين، فلم يكترث أحد بذلك، ومشى العسكر صفّا واحدا، وخلف كل صف صفوف لا تعدّ. واستمروا فى سيرهم المذكور [٦] إلى أن حاذوا خندق آمد، وقد بهت أهلها لما داخلهم من الرّعب والخوف ممّا طرقهم من العساكر، ولم يرم منهم أحد بسهم فى اليوم المذكور إلا نادرا، ولا علا «٣» أحد منهم على شرفات البلد إلا فى النادر أيضا، وصاروا ينظرون العساكر من الفروج التى بين الشرفات «٤» .
ولم يكن لآمد المذكورة قلعة بل سور المدينة لا غير، إلا أنه فى غاية الحسن من إحكام بنيانه، وكل بدنة بالسور المذكور تحمى البدنة الأخرى، فلهذا يصعب «٥» حصارها، ويبعد أخذها عنوة؛ فوقف العسكر حول آمد ساعة.
ثم مال السلطان بفرسه إلى جهة بالقرب من مدينة آمد، ونزل به فى مخيمه، وأمر الناس بالنزول فى منازلهم، وأمرهم بعدم قتال أهل آمد؛ على أن أوباش القوم تراموا بالسهام قليلا، فتوجه كل واحد «٦» إلى مخيمه، ونزل الجميع بالقرب من آمد، كالحلقة عليها، غير أنهم على بعد منها، بحيث أنه لا يلحقهم الرمى من السور، وأحدقت العساكر بالمدينة من جهتها الغربية، وكان الموضع الذي نزلنا به هو أقرب الجهات «٧» للمدينة المذكورة.