وصارت الغلمان تخرج من الوطاق إلى جهات آمد وتحصد الزروع «١» وتأتى بها الأجناد، حتى صار أمام خيمة كل جندى جرن كبير من الزرع، وهو الذي قام بعلوفة خيول العسكر فى طول مدة الإقامة على آمد، ولولا ذلك لكان لهم شأن آخر.
ولما ندب السلطان الجماعة المذكورة لتتبع قتلة الملك الأشرف وغيره، خرجوا إلى جهة من الجهات فوافوا جماعة كبيرة من أمراء قرايلك وقاتلوهم حتى هزموهم، وأسروا منهم جماعة كبيرة من أمراء قرايلك وفرسانه وأتوا بهم إلى السلطان، وهم نيف على عشرين نفسا، فأمر السلطان بقيدهم فقيدوا.
ثم توجهوا ثانيا فوافقوا جماعة أخر، فقاتلوهم أيضا وأسروا منهم نحو الثلاثين، ومن جملتهم قرا محمد أحد أعيان أمراء قرايلك؛ فأحضر السلطان قرا محمد وهدده بالتّوسيط «٢» إن لم يسلم له آمد، فأخذوا «٣» قرا محمد المذكور ومرّوا إلى تحت سور المدينة، فكلمهم قرا محمد المذكور فى تسليم المدينة، فلم يلتفتوا إليه، فأخذوه وعادوا، فأصبح السلطان وسّط منهم تحت سور آمد عشرين رجلا، من جملتهم قرا محمد المذكور.
واتفق فى توسيط هؤلاء غريبة، وهو أن بعضهم حمل للتوسيط فاضطرب من أيدى حملته فوقع منهم إلى الأرض، فقام بسرعة وهرب إلى أن ألقى بنفسه إلى الخندق، بعد أن تبعه جماعة، فلم يقدروا على تحصيله؛ ثم خرج من الخندق وقد أرخى إليه من سور آمد حبل «٤» ، وتشبث به إلى قريب الشرفة، فانقطع الحبل فوقع إلى الأرض، ثم جرّ ثانيا إلى أعلى المدينة ونجا، وقيل إنه مات بعد ثلاثة أيام من طلوعه، والله أعلم.