فإنه لو كان فيه بقية ما ترك عساكرنا فى تلك الليلة بخير، [١١] لأن الصلح الذي كان وقع بينه وبين السلطان [الملك] الأشرف كلا شىء «١» : كان فسخ مجلس لا غير، وقد بلغه ما وقع لعسكرنا من الشتات والتفرق، وعلم بجميع «٢» ما نحن فيه، لقرب «٣» المسافة بيننا، وما ترك الإيقاع بنا إلا عجزا وجبنا وضعفا. وأيضا من كان بمدينة آمد، لو كان فيهم منعة وقوة بعد ما عاينوا ما وقع لعسكرنا عند الرحيل من التمزق وعظم الاضطراب، لنزلوا واستولوا على جماعة كبيرة «٤» من العسكر، وباقى العسكر لا يعرفون بذلك، من عظم الغوغاء، وشغل كل واحد بنفسه، مع شدة سواد الليل وظلمته- انتهى.
ولما أصبح السلطان بكرة يوم الجمعة بهذه المنزلة المذكورة، سار منها يريد مدينة الرّها، حتى وصلها بمن معه من العسكر، وأقام بها، حتى اجتمع به من كان ذهب من عساكره فى الطرقات. وأخذ السلطان فى إصلاح أمر مدينة الرها، وطلب الأمير إينال العلائى الناصرى نائب غزة، وأراد أن يخلع عليه بنيابة الرها، فامتنع من ذلك أشد امتناع وأفحش فى الرد وخاشن السلطان فى اللفظ، وصمم على عدم القبول لذلك؛ فغضب السلطان منه، واشتد حنقه وهم بالإيقاع به، فخشى عاقبة ذلك من عظم شوكة إينال المذكور، وأخذ يثنى «٥» على نفسه من كونه يحكم «٦» على أمرائه ومماليكه وأشياء من هذا المعنى، إلى أن قال:«أنا حكمى ما يسمعه إلا مماليكى» ، وطلب الأمير قراجا الأشرفى شادّ الشراب خاناه وخلع عليه باستقراره فى نيابة الرها، وخلع على القاضى شرف الدين نائب كاتب السر باستقراره كاتب سرّ الرّها، وخرجا من بين يدى السلطان [بالخلع]«٧» على كره.
ثم لما توجه الأمير إينال العلائى نائب غزة إلى مخيمه، كلمه الناس من أصحابه