فيما وقع منه من تمنّعه ومخاشنته فى الكلام مع السلطان، أو كأنه خشى عواقب ما وقع منه، فاعتذر من خراب مدينة الرّها، وأنه ليس بها ما يقوم بأوده، وبلغ السلطان ذلك فضمن له ما طلبه، وخلع عليه من يومه المذكور باستقراره فى نيابة الرّها؛ ثم استعفى شرف الدين من كتابة سر الرها، فأعفى بعد أن حمل خمسمائة دينار للخزانة الشريفة، ثم أمر السلطان المماليك السلطانية بدفع ما معهم من الشعير «١»[للأمير]«٢» إينال المذكور ليكون له حاصل بالرها، فبعث كل واحد منهم بشىء من عليق خيوله، فاجتمع من ذلك شونة كبيرة. ثم أنعم السلطان على الأمير إينال المذكور بأشياء كثيرة، وأصلح أمره، وسار بعساكره عن الرها، إلى أن نزل البيرة. قلت: وإينال هذا هو الملك الأشرف، سلطان زماننا.
ولما نزل السلطان بالبيرة أقام بها إلى أن عدّت عساكره الجسر الذي نصب على بحر الفرات «٣» إلى البر الغربى، ثم عدى السلطان إلى البر الغربى [المذكور]«٤» وأقام به يومه، ورحل من آخر النهار المذكور بعساكره، حتى وصل إلى حلب فى خامس عشر ذى القعدة، ونزل بظاهرها بالمنزلة التى «٥» نزل بها فى ذهابه إلى آمد، ونزل «٦» حوله جميع عساكره، بعد أن أجهدهم التعب، وماتت خيولهم، وتلفت أموالهم من غير فائدة ولا قيام حرمة، غير أن لسان الحال ينشد قول القائل:[الوافر]«٧»
مشيناها خطّى كتبت علينا ... ومن كتبت عليه خطى مشاها