من أمر خشداشهم الأتابك قرقماس، وهواهم وميلهم إليه، فإنه قيل فى الأعصار الخالية:«لا أفلح من هجيت قبيلته» ؛ فلما رأوا أمر قرقماس فى إدبار، وأخذ أصحابه فى التفرق عنه، انحازوا بأجمعهم إلى جهة باب السلسلة، وأظهر كل واحد منهم أنه كان «١» ممن قاتل قرقماس. ولم يخف ذلك على [الملك]«٢» الظاهر، لكنه لم يسعه يوم ذاك إلا السكات. وبالله لقد رأيت الأمير آقبغا التركمانى الناصرى وهو يدق بزخمته على طبله، ويندب الناس لأخذ قرقماس بعد أن أشرف على الهزيمة، وعبرته قد خنقته حتى إنه لا يستطيع الكلام من ذلك.
ولما كان بين الظهر والعصر أخذ قرقماس فى إدبار، واضمحلت عساكره وذهبت أصحابه، وجرح هو فى وجهه ويده، وكلّ وتعب، وانفلت عنه جموعه، وصار الرجل من أصحابه يغير لبسه ثم يطلع فى الحال إلى القلعة حتى ينظره السلطان، هذا والرمى عليه من أعلى القلعة مترادف بالسهام والنفوط.
وكان أصحاب قرقماس فى أول حضوره إلى الرميلة اقتحموا باب السلطان حسن فلم يقدروا على فتحه، فأحرقوه ودخلوا المدرسة وصعدوا على سطحها وأرموا على السلطان وهم أيضا «٣» بالنشاب والكفيات، إلى أن أبادوا القلعيين، ومع هذا كله وأمر قرقماس فى إدبار.
وقبل أن تقع الهزيمة على عساكر قرقماس من الذين ثبتوا معه، فرّهو فى العاجل فانهزم عند ذلك عسكره بعد أن ثبتوا بعد ذهابه ساعة، ثم انقلبوا وولوا الأدبار فما أذّن العصر إلا وقد تمت الهزيمة [بعد أن جرح خلائق من الطائفتين]«٤» ، فكان ممن جرح من أعيان السلطانية: الأمير آقبغا التّمرازى أمير سلاح، والأمير تغرى بردى