على رؤوسهم، وهم ينادون من فوق الأسوار:«الغزاة معاشر الناس فى العدو، فإنه من قتل منكم كان فى الجنة، ومن قتل من العدو صار إلى النار» ، فى كلام كثير يحرضون بذلك العامة على القتال، ويقوون عزائمهم على الثبات، إلى أن رحل تغرى برمش بمن معه من الميدان إلى الجهة الشمالية، فى يوم الأحد خامس ذى القعدة، بعد ما رعت مواشيهم زروع الناس وبساتينهم وكرومهم، وقطعوها ونهبوا القرى التى حول المدينة، وأخربوا غالب العمارات التى كانت خارج سور حلب، وقطعوا القناة التى تدخل إلى مدينة حلب من ثلاثة أماكن، وكان أشدّ الناس فى قتال تغرى برمش، أهل بانقوسا «١» ، هذا بعد أن ظفر تغرى برمش بجماعة من الحلبيين فى بعض قتاله، فقطع أيدى الجميع، وبالغ فى الإضرار بالناس، وأنا أقول: لو كان لتغرى برمش على أهل حلب دولة، لفعل فيهم أعظم من فعل تيمور لنك، لقلة دينه وجبروته ولحنقه «٢» من أهل حلب، وأنا أعرف بحاله من غيرى لكونه طالت أيامه فى خدمة الوالد سنين، ثم قتل أغاته «٣» من مماليك الوالد، وفر كما سنحكيه فى وفاته من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ولما بلغ هذا الخبر الملك الظاهر، قلق قلقا عظيما لما وقع لرعيته من أهل حلب، فلم يكن إلا أياما قليلة [و]«٤» قدم الخبر فى يوم السبت خامس عشرين ذى القعدة، بكسرة تغرى برمش المذكور، فدقت البشائر لذلك، وعظم سرور السلطان، غير أنه تشوّش لعدم مسكه وخاف عاقبة أمره. وكان من خبره أن العسكر المصرى بمن معه من العسكر الشامى، لما ساروا من دمشق إلى جهة حلب، وافاهم الأمير قانى باى الحمزاوى وغيره وصاروا جمعا واحدا، فلقيهم تغرى برمش المذكور بجموعه، التى كانت معه قريبا من حماة، فى يوم الجمعة سابع عشر ذى القعدة، وقد صفّ عساكره من التركمان وغيرهم،