الثانى، بالقرب من جامع سودون من زادة، والعامة خلفه وهم ينادمونه بأنواع السبّ ويذكرون له فقره وإفلاسه وما قاساه من الذل والهوان، إلى أن وصل إلى بيت تمربغا [المذكور]«١» بغير عمامة على رأسه، فأجلسه تمربغا بمكان تحت مقعده، واستمر به إلى الليل، فقام «٢» وتوجه إلى داره مختفيا خائفا مرعوبا.
وأنا أقول: لو مات أحد من شدة الضرب، لمات أبو الخير [المذكور]«٣» فى هذا اليوم، كل ذلك بغير رضى السلطان، لأن المماليك والعامة اتفقوا على [أبى الخير المذكور وعلى الفتك به]«٤» ، وقلّ أن يتفقوا على أمر، فكان هذا اليوم «٥» من الأيام المشهودة بالقاهرة، لأنى ما رأيت ولا سمعت بمثل هذه الواقعة، وقد سبق كثير من إخراق المماليك لرؤساء الدولة ونهب بيوتهم وأخذ أموالهم، ومع هذا كله لم يقع لأحد منهم بعض ما وقع لأبى الخير هذا، فإن جميع الناس قاطبة كانت عليه، وكل منهم لا يريد إلا قتله وإتلافه.
وأنا أقول إنهم معذورون فيما يفعلونه، لأنه كان بالأمس فى البهموت «٦» من الفقر والذل والإفلاس، وصار اليوم فى الأوج من الرئاسة والمال والتقرب من السلطان، ومع هذا الانتقال العظيم، صار عنده شمم وتكبر، حتى على من كان لا يرضى أقل غلمانه أن يستخدمه فى أقل حوائجه، وأما على من كان من أمثاله وأرباب صنعته، فإنه لم يتكبر عليهم، بل أخذ فى أذاهم والإخراق بهم، حتى أبادهم شرا، وأنا أتعجب غاية العجب من وضيع يترأس، ثم يأخذ فى التكبر على أرباب البيوت وأصحاب الرئاسة الضخمة، فما عساه يقول فى نفسه! والله «٧» العظيم، إننى كنت إذا دخل علىّ الفقيه الذي أقرأنى القرآن فى صغرى، على أن بضاعته من العلوم كانت مزجاة، أستحى أن أتكلم