وسلمت مهجته، بعد أن أيقن كلّ أحد بسفك دمه، وذهاب روحه، وذلك لعدم أهلية أخصامه، وضعف شوكتهم، وعدم مساعدة المقر الجمالى ناظر الخواص «١» على قتله، فإنه لم يتكلم فى أمره من يوم أمسك [١٥٣] ، إلا فيما يتعلق به من شأنه، ولم يداخلهم فيما هم فيه البتة، مع أنه كان لا يكره ذلك، لو وقع، غير أنه لم يتصدّى لهذا الأمر فى الظاهر بالكلية، احتفاظا لرئاسته ودينه. وأنا أقول: لو كان أمر النحاس هذا مع ذلك الجزار جمال الدين الأستادّار، أو غيره من أمثاله، لألحقوه بمن تقدمه من الأمم السالفة، ولكن «لكل أجل كتاب» .
وبعد أن عزّره القاضى، أمر بالترسيم عليه، حتى يتخلص من تعلقات السلطنة.
ثم فى يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الآخرة، رسم السلطان بالإفراج عن الشريف غريم النحاس، وعن الشهود من حبس المقشرة؛ ورسم بنفى النحاس إلى مدينة طرسوس، محتفظا به، وأنه يقيد ويجنزر من خانقاه سرياقوس، فمضى جانبك الوالى إليه، وأخرجه من بيت القاضى الشافعى راكبا على فرس فى الثلث الأول من ليلة السبت تاسع عشرينه، وذلك بعد أن حلف أبو الخير المذكور فى أمسه يمينا مغلظا بمجلس قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى، أنه لم يبق معه شىء من المال غير مبلغ يسير جدا، برسم النفقة، وأنه صار فقيرا لا يملك ما قلّ ولا جلّ، فسبحان المطلع على السرائر.
وفرغ هذا الشهر والناس فى جهد وبلاء من غلوّ الأسعار فى جميع المأكولات، وتزايد أثمل البغال، لكثرة طلابها من الفقهاء والمتعممين، لشدة المماليك الجلبان فى منعهم من ركوب الخيل.
ثم فى يوم الخميس رابع «٢»[شهر]«٣» رجب، برز الأمير سونجبغا اليونسى الناصرى من القاهرة، إلى بركة الحاج أمير الرجبية، وسافر فى الركب المذكور الأمير