وفى هذه الأيام أشيع بالقاهرة، بمجيء النحاس إلى الديار المصرية، وأنه وصل على النّجب، وأنه نزل بتربة الأمير طيبغا الطويل بالصحراء خارج القاهرة، ثم انتقل [١٦٠] منها إلى القاهرة، وتحدث الناس برؤيته، وتعجب الناس من ذلك، واستغربت أنا وغيرى مجيئه من أن السلطان من يوم نكبه وصادره وحبسه ثم نفاه إلى طرسوس، ثم حبسه بقلعة طرسوس على أقبح وجه، وصار فى الحبس المذكور فى غاية الضيق، ونال أعداؤه منه فوق الغرض، وصار السلطان يتفقده فى كل قليل بعصيّات، حتى أنه ضرب فى مدة حبسه بطرسوس، على نفذات متفرقة، نحو الألف عصاة تخمينا، ولم يزل فى محبسه فى أسوأ حال، حتى أشيع مجيئه، ولم يدر بذلك أحد من أعيان الدولة، ولا يعرف أحد كيفية الإفراج عنه؛ وأخذ أعيان الدولة من الأكابر فى تكذيب [هذا الخبر]«١» ، وصار الناس فى أمره على قسمين: ما بين مصدق ومكذب.
ثم قدم الأمير جانبك الظاهرى، نائب جدّة وصحبته قصّاد الحبشة من المسلمين من صاحب جبرت فى يوم الخميس ثامن شعبان، وعمل السلطان الموكب بالحوش السلطانى، وكان السلطان قد انقطع عن حضور الخدمة بالقصر نحو الشهر لضعف حركته.
فلما كان يوم الجمعة تاسعه، طلع أبو الخير النحاس فى بكرته إلى القلعة، ودخل إلى الدّهيشة صحبة المعزّى عبد العزيز ابن أخى الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وقد أمره عمه القائم بأمر الله حمزة ليشفع فى أبى الخير المذكور على لسان الخليفة، ولم يكن عند السلطان فى ذلك الوقت من أعيان الدولة سوى الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى، والأمير أسنباى الجمالى الظاهرى؛ فقام السلطان لابن أخى الخليفة المذكور وأجلسه، ثم دخل أبو الخير النحاس وقبّل رجل السلطان، فسبّه السلطان ولعنه وأخذ فى توبيخه، وذكر أفعاله القبيحة؛ ثم أمر بحبسه بالبرج من قلعة الجبل، ثم اعتذر لابن أخى الخليفة، وقال:«أنا كنت أريد توسيطه، ولأجل الخليفة قد عفوت عنه» .
ثم أنعم على عبد العزيز المذكور بمائة دينار، وانفض المجلس.