وأصبح السلطان من الغد فى يوم السبت، جلس على الدّكة بالحوش السلطانى، وأحضر أبا الخير المذكور، فى الملأ من الناس، ثم أمر به فضرب بين يديه نحو الألف عصاة، أو ما دونها تخمينا، على رجليه، وسائر بدنه؛ ثم أمر بحبسه ثانيا بالبرج من القلعة، فتحيّر الناس من هذه الأفعال المتناقضة، وهو كونه أفرج عنه سرا وأحضره إلى القاهرة؛ فظن كل أحد بعود المذكور إلى أعظم ما كان عليه، ثم وقع له ما ذكرناه من الإخراق والضرب والحبس.
وقد كثر كلام الناس فى ذلك، فمنهم من يقول: أمر السلطان بإطلاقه لا مجيئه إلى القاهرة، فلما قدم بغير دستور، غضب السلطان عليه؛ فردّ على قائل هذا الكلام بأنه:
من أين لأبى الخير النّجب التى قدم عليها مع ما كان عليه، لولا توصية السلطان لمن يعينه على ذلك؟. وأيضا: كيف تمكن من المجىء، لولا ما معه من المراسيم ما يدفع به نوّاب البلاد الشامية من منعه من الحضور؟. ومنهم من يقول: كان أمره قد انبرم مع السلطان، ورسم بحضوره، وإنما أعداؤه اجتهدوا فى إبعاده ثانيا، ووعدوا بأوعاد كثيرة، أضعاف ما وعده أبو الخير المذكور؛ وأقوال كثيرة أخر «١» .
ثم فى هذا اليوم أخذ أبو عبد الله التريكى «٢» المغربى المالكى، المعزول عن قضاء دمشق قبل تاريخه، من بيته إلى بيت الوالى، ورسم عليه، ثم ادّعى عليه بمجلس القاضى المالكى، أنه التزم للسلطان عن أبى الخير النحاس بمائة ألف دينار أو أكثر، فقال:
«أنا قلت إن ولّاه ما عيّنته من الوظائف» ولم يقع ذلك، وعرف كيف أجاب، فإنه كان من الفضلاء العلماء، فاستمر فى الترسيم إلى يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان، فطلب إلى القلعة، فطلع وفى رقبته جنزير، ثم أعيد إلى الترسيم من غير جنزير، وقد أشيع أنه وقع فى حق قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى [١٦١] بأمور شنعة، ودام فى الترسيم إلى ما يأتى ذكره.