للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها ابنه المقام الناصرى محمد رحمه الله تعالى، من غزير علمه وكثرة فضائله، فإننا لا نعلم أحدا من ملوك الترك رزق ولدا مثله، بل ولا يقاربه ولا يشابهه مما كان اشتمل عليه من العلم والفضل والمعرفة التامة، وحسن السمت وجودة «١» التدبير، ولا نعرف أحدا من أولاد السلاطين من هو فى هذا المقام قديما وحديثا «٢» ، حتى ولو قلت: ولا من بنى أيوب، ممن ملكوا مصر، لكان يصدق قولى؛ ومن كان من بنى أيوب له فضيلة تامة غير الملك المعظم عيسى ابن الملك الكامل، والملك المؤيد إسماعيل صاحب حماه، وهما كانا بالبلاد الشامية؟ - انتهى.

وقد استوعبنا أحوال الملك الظاهر هذا من مبدأ أمره إلى آخره، محررا بالشهر واليوم فى جميع ما وقع له من ولاية وعزل وغريبة وعجيبة، فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» ، فلينظر هناك «٣» ، [و] «٤» ما ذكرناه هنا جميعه [نوع] «٥» من تكثير الفائدة، لا القصة على جليتها، بل نشير بذكرها إعلاما لوقت واقعتها لا غير.

وكان الملك الظاهر سلطانا ديّنا خيرا عفيفا صالحا [فقيها شجاعا] «٦» مقداما، عارفا بأنواع الفروسية، عفيفا عن المنكرات والفروج، لا نعلم أحدا من ملوك مصر فى الدولة الأيوبية ولا التركية على طريقته [فى ذلك] «٧» ، لم يشهر عنه فى صفره ولا فى كبره أنه تعاطى مسكرا ولا منكرا، حتى قيل إنه لم يكتشف حراما قط؛ وأما حب الشباب، فلعله كان لا يصدّق أن أحدا يقع فى ذلك لبعده عن معرفة هذا الشأن، وكان جلوسه فى غالب أوقاته على طهارة كاملة، وكان متقشفا فى ملبسه ومركبه إلى الغاية، لم يلبس