دينار ذهبا مصريا، وذلك خلاف الخلع والخيول والقماش والسلاح والغلال، وخلاف جوامك المماليك ورواتبهم المعتادة.
وكان لا يلبس إلا القصير من الثياب، ونهى الأمراء وأكابر الدولة وأصاغرها عن لبس الثوب الطويل، وأمعن فى ذلك، حتى أنه بهدل بسبب ذلك جماعة من أعيان الدولة، وعاقب جماعة من الأصاغر، وقصّ أثواب آخرين فى الملأ من الناس، وكان أيضا يوبخ من لا يحفّ شاربه من الأتراك وغيرهم؛ وفى الجملة أنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، مع سرعة استحالة، وحدة مزاج، وبطش. وكان غالب ما يقع منه من الإخراق بالناس، يكون بحسب الواسطة من حواشيه، فإنه كان مهما ذكروه «١» له قبله منهم، وأخذه على طريق الصدق والنصيحة، لسلامة باطنه، وأيضا على قاعدة الأتراك من كون الحق عندهم لمن سبق.
وبالجملة فكانت محاسنه أكثر من مساوئه، وهو أصلح من ولى ملك مصر من طائفته، فى أمر الدين والتقوى، فإنه كان قمع المفسدين والجبارين من كل طائفة، وكسدت فى أيامه أحوال أرباب الملاهى والمغانى، وتصولح غالب أمرائه وجنده، وبقى أكثرهم يصوم الأيام فى الشهر، ويعف عن المنكرات؛ كل ذلك مراعاة لخاطره، وخوفا من بطشه، وهذا كله بخلاف ما كان عليه كثير من الملوك السالفة، فإنه كان غالبهم يقع فيما ينهى عنه، فكيف يصير للنهى عنه بعد ذلك محل «٢» ؟ ومن عظم ذلك، قال بعض الفضلاء الظرفاء:«نابت هذه الدولة عن الموت، فى هدم اللذات والأيام الطيبة» .
ولم يبق فى دولته ممن يتعاطى المسكرات إلا القليل، وصار الذي يفعل ذلك يتعاطاه فى خفية، ويرجفه فى تلك الحالة صفير الصافر.
وكانت صفته قصيرا، للسمن أقرب، أبيض اللون مشربا بحمرة، صبيح الوجه، منوّر الشيبة، فصيحا باللغة التركية، وباللغة العربية لا بأس به بالنسبة لأبناء جنسه؛ وكان له