والخليل عليه السلام، فى ليلة العشر من جمادى الأولى، وكان أيضا من أطراف الناس، وهو «١» أحد من رقّاه الملك الظاهر جقمق، وكان فى مبدأ أمره يبيع الحلوى «٢» ، ثم صار جابيا للأملاك، [يجبى وعلى كتفه خرج]«٣» ، ثم خدم جماعة كبيرة، إلى أن حسنت حاله وصار يركب بغلة برحل «٤» ، رأيته أنا على تلك الهيئة، ثم خدم الملك الظاهر جقمق أيام إمرته، ولازم خدمته إلى أن تسلطن، فقرّبه وولاه نظر الحرمين، وعدّه الناس من الأعيان، فلم تطل مدته، ومات. وكان يتديّن من صلاة وعبادة، إلا أنه كان عاريا سالبة كلية «٥» ، [فكان صفته كقول من قال: ذقن وشاش على لاش]«٦» .
وتوفى المقام الناصرى محمد بن السلطان الملك الظاهر جقمق، فى ليلة السبت ثانى عشرين ذى الحجة بقلعة الجبل، بعد مرض طويل، وصلى عليه من الغد بباب القلة «٧» من قلعة الجبل، وحضر والده السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه، ودفن بتربة عمه جاركس القاسمى المصارع، التى «٨» جددها مملوكه قانى باى الجاركسى عند دار الضيافة، تجاه سور القلعة. ومات وهو فى حدود الثلاثين تخمينا، وأمّه السّتّ قراجا بنت الأمير أرغون شاه أمير مجلس الملك الظاهر برقوق.
وكان مولده بالقاهرة، وبها نشأ تحت كنف والده، وحج وسافر مع والده إلى آمد فى سنة ست وثلاثين، واشتغل اشتغالا يسيرا حتى برع فى المعقول وشارك فى المنقول، وساد فى فنون كثيرة من العلوم، يساعده فى ذلك جودة ذهنه وحسن تصوره وعظيم