وكان لا يجلس فوقه أبدا قبل ذلك، وقد أتعب ذلك خدمة الكعبة. فلو لم يكن من فعله إلا هذه الفعلة «١» لكفاه إثما. كل ذلك لظن سودون المذكور بنفسه، فإنه لم يشاور فى ذلك أحدا من أعيان أهل مكة ولا تكلم مع من له خبرة بأحوال مكة، وقد قيل:«ما خاب من استشار» . وكان يتدين ويتمعقل ويعف عن الفواحش، غير أنه كان يقع فى أمور محذورة، منها: أنه كان إذا سلم عليه الشخص لا يرد عليه «٢»[سلامه]«٣» ، تكبرا وتعاظما، وإذا ردّ فيرد ردا هينا خلاف السنة، ومنها: أنه كان فيه ظلم عظيم على خدمه وحواشيه، هذا مع انخفاض قدره، فإنه لم يتأمّر إلا عشرة فى دولة الملك الظاهر جقمق، ثم عمل نيابة قلعة دمشق لا غير، على أن أستاذه سودون المحمدى لم يعدّ من الملوك فكيف هو!
وتوفى الأمير سيف الدين يلخجا بن عبد الله من مامش الساقى الناصرى، الرأس نوبة الثانى، ثم نائب غزة، بعد مرض طويل، فى أوائل جمادى الآخرة، وسنه نيف على خمسين سنة. وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق، أخذه مع أبيه وأمه، ثم أنعم به على ولده الملك المنصور عبد العزيز، ثم ملكه الملك الناصر فرج بعد أخيه عبد العزيز [١٨٩] المذكور ورقاه وجعله ساقيا، واختصّ به إلى الغاية، ورأس على جميع الناصرية، واستمر على رئاسته وتحشمه، إلى أن عزله الملك المؤيّد من وظيفة السقاية، ولم يبعده، بل صار عظيما أيضا فى الدوله المؤيدية، بل كان «٤» فى كل دولة، لكرم نفسه ولعظمه فى النفوس.