ثم قدم إلى الديار المصرية مع والده أيضا بعد قتل الملك الناصر فرج في سنة خمس عشرة وثمانمائة، وتفقّه بقاضى القضاة ولى الدين أحمد العراقى «١» ، وأخذ المعقول عن العلّامة عز الدين بن جماعة «٢» ، وعن تلميذه ابن الأديب، وأخذ أيضا عن قاضى القضاة شمس الدين البساطى المالكى، وعن العلّامة البارع الزاهد علاء الدين محمد البخارى الحنفى، ولازمه كثيرا وانتفع بدروسه، وأخذ النحو في مبادئ أمره عن الشيخ يحيى العجيسى المغربى «٣» وغيره، وسمع البخارى من عائشة بنت عبد الهادى «٤» ، واجتهد فى طلب العلم وساعده في ذلك الذكاء المفرط، والذهن المستقيم والتصور الصحيح، حتى برع في المنطوق والمفهوم، وصارت له اليد الطولى في المنثور والمنظوم، لا سيما في الترسل والإنشاء والمكاتبات، فإنه كان إمام عصره في ذلك، هذا مع ما اشتمل عليه من العقل والعراقة والسكون والسؤدد والكرم والإكرام وسياسة الخلق وحسن الخلق، والرئاسة الضخمة، والفضل الغزير.
وباشر كتابة السّر في أيام والده نيابة عنه، وعمره نيف على عشرين سنة.
ثم استقل بالوظيفة نيفا على ثلاثين سنة، على أنه صرف عنها غير مرة المدّة الطويلة.