لا غير، كل ذلك لما تقدم ذكره أنه ليس عندهم من يدبّر أمورهم، وإلا فكان يمكنهم أن يطلعوا إلى القلعة ويحصنوها ويقاتلوا بها أياما حتى تعمل مصالحهم، وإذا سلّموها يعطوها بالأمان والرّضا، هذا إذا لم يكن لهم نهضة للهروب والخروج من الدّيار المصرية، والاختفاء في مكان من الأمكنة من القاهرة، كما فعل غيرهم من الملوك السالفة، على أن أصحاب الأمير الكبير كان أخذ منهم التعب والجهد في هذا اليوم والذي قبله أمرا كبيرا، وكلّ أكثرهم من القتال، فلو امتنعت السلطانيّة بباب السلسلة يوما أو يومين لطال أمرهم بعد ذلك، ووقع لهم أمور ليس في ذكرها الآن فائدة، وكان أمر المماليك الظاهرية فى مبدأ الأمر عجيبا من شدّة بأسهم أولا، وفي تهاونهم آخرا، وقد قيل في الأمثال:
«على قدر الصعود يكون الهبوط» .
ولما بلغ الأمير الكبير إينال طلوع الملك المنصور من الإسطبل السلطانى إلى القصر الأبلق ندب في الحال الأمير جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد إلى الطلوع إلى باب السلسلة وتسليم الإسطبل السلطانى، ولم يتحرك الأمير الكبير من مكانه، ولا ظهر عليه فرح ولا كآبة، فهذا أيضا مما تعجبت منه، وطلع الأمير جرباش إلى باب السلسلة بعد أن استولى أصحاب الأمير الكبير عليها.
وكان من خير أخذهم لباب السلسلة أن الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيدى أمير سلاح لما قام الملك المنصور وطلع إلى القصر، وتشتت عساكره ثم دخل قانى باى الچاركسى مبيت الحرّاقة من الإسطبل قام تسم المذكور ومشى إلى المقعد الذي كان يجلس به الملك المنصور في أيام الوقعة، وأشار إلى القوم بمنديل كان بيده كمن يطلب الأمان، ثم ركب في الحال وفي زعمه أن الجماعة تتلقاه بالرحب والقبول، لأياد كانت له، وصحبة عند الأمير الكبير قديما وحديثا، وأيضا أن غالب من كان من أصحاب الأمير الكبير هو خچداشه أو صاحبه، فركب فرسه ونزل حتى وقف عند باب السلسلة أسفل الحدرة، وفتحت خوخة باب السلسلة ودخل القوم، فحال ما وقع بصرهم عليه تناولته الألسن والأيدى بالسب والضرب، حتى أخذ وأنزل بغير تخفيفة على حالة غير مرضية،