ثم أخذ قانى باى الچاركسى من مبيت الحرّاقة، وأنزل به عند رفقته المقبوض عليهم، وقيّدوا الجميع بركبخاناة الإسطبل، ولم ينج أحد من أمراء الظاهرية غير أسنباى الجمالى الدّوادار الثانى فإنه فرّ من القلعة، واختفى على ما سيأتى ذكره.
ثم أمر السلطان في الوقت بالإفراج عن الأمير قراجا الظاهرى، وعن الأمير تغرى بردى القلاوى، وعن الأمير بردبك الأمير آخور الثالث، ورسم لهم بلبس الكلفتاه «١» من الغد، وحضور الخدمة السلطانية.
ثم رسم الأمير الكبير في الحال بقلع السلاح، وقلع هو قبل الناس ما كان عليه، وكان لبسه في تلك الأيام كلها قرقل «٢» مخمل أحمر بغير أكمام، وقلعت العساكر في الحال السلاح من عليهم، وسكنت الفتنة كأنها لم تكن، وبات الناس في أمن وسلامة، على أن القاهرة كانت في مدّة هذه الأيام والقتال عمال في كل يوم في غاية الأمن، والحوانيت مفتّحة، والناس في بيعهم وشرائهم، وأكثرهم جالس بالدكاكين للفرجة على من يمرّ عليهم من العساكر الملبّسة، بل كان يتوجه منهم أيضا جماعة كبيرة إلى الرّميلة للفرجة على القتال كما كان يتوجه بعضهم للفرجة على المحمل وغيره، ولم تقفل أبواب القاهرة في هذه المدة، ولا شوّشت الزّعر «٣» على أحد، بل كان كل واحد يمضى إلى حال سبيله، والقتال عمّال بين الطائفتين لا يصيب من العامة إلا من توغّل منهم بين المقاتلة، فهذا أيضا من الغرائب، على أنّنا لا نعلم وقعة كانت بمصر تطول هذه المدة، ولا حوصرت قلعة الجبل سبعة أيام إلا في هذه الواقعة.
وأما وقعة يشبك الشعبانى ورفقته مع الملك الناصر المقدم ذكرها ليس هى كهذه الوقعة، ومع هذا قفّلت القاهرة «٤» فى تلك الكائنة أياما ونهبت الزّعر عدّة أماكن، فكانت هذه الوقعة بخلاف جميع الوقائع «٥» فى هذا المعنى- انتهى.