للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له حرمة وافرة في الدولة إلى الغاية، فلما كانت هذه الفتنة ظن في نفسه أنه يوافقهم، فإذا تسلطن أحد منهم رفع محلّه زيادة على ما فعل إينال، ويصير الأمر كلّه بيده، وما يدرى بأن لسان الحال يقول له:

[الرجز]

خير الأمور الوسط ... حبّ التناهى غلط

ما طار طير وارتفع ... إلا كما طار وقع

ولما حضر الخليفة عندهم تكامل لبسهم السلاح، وانضافت إليهم خلائق من المماليك السيفية، وأوباش الأشرفية، وغيرهم من الجياع الحرافيش، فلما رأت الأجلاب أمر الظاهريّة حسبوا العواقب، وخافوا زوال ملك أستاذهم، فتخلوا عن الظاهريّة قليلا بقليل، وتوجّه كل واحد إلى حال سبيله، فقامت الظاهرية بالأمر وحدهم، وما عسى يكون قيامهم من غير مساعدة، وقد تخلّى عنهم جماعة من أعيانهم وخافوا عاقبة هذه الفتنة؟!.

هذا وقد تعبأ السلطان لحربهم، ونزل من القلعة إلى باب السّلسلة من الإسطبل السلطانى، وتناوش القوم بالسهام، وأرادوا المصاففة، فتكاثر عليهم السلطانية، وصدموهم صدمة واحدة بددوا شملهم، بل كانوا تشتتوا قبل الصدمة أيضا، وهجموا السلطانية في الحال إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح، وأخذوا الأمراء المرسّم عليهم، وأخذوا فيمن أخذوا الخليفة معهم، وطلعوا بهم إلى السلطان.

فلما رأى السلطان الخليفة وبخه بالكلام الخشن، وأمر بحبسه بالبحرة من قلعة الجبل، وخلعه من الخلافة بأخيه يوسف في يوم الخميس ثالث شهر رجب المذكور، ثم سفّر الخليفة القائم بأمر الله المذكور في يوم الاثنين سابع رجب إلى سجن الإسكندرية فسجن بها مدة سنين، ثم أطلق من السجن، وسكن بالإسكندرية إلى أن مات بها في أواخر سنة اثنتين وستين وثمانمائة.