المضروبة بدمشق في هذه الدّولة، فشقّ ذلك على الناس قاطبة؛ لكثرة معاملاتهم بهذه الفضة التي داخلها الغشّ، ولهجت العامة في الحال فيما بينهم:«السلطان من عكسه أبطل نصفه» و «إذا كان نصفك إينالى لا تقف على دكانى» وأشياء من هذه المهملات التي لا وزن ولا قافية، وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان.
هذا والصاحب جمال الدين عظيم الدّولة بلّغ السلطان من الغد أنّ المماليك تريد إثارة فتنة أخرى بسبب ذلك، فخشى السلطان من مساعدة العوامّ لهم، فأبطل ما كان نودى به.
قلت: والمصلحة ما كان فعله السلطان، غير أنك تعلم أن السّواد الأعظم من العامة ليس لهم ذوق ولا خبرة بعواقب الأمور، فإنهم احتاجوا بعد ذلك إلى أن سألوا في إبطال ذلك، فلم يسمح لهم السلطان به إلّا بعد أمور وأشهر حسبما يأتى ذكره، وهو معذور في ذلك.
وفي يوم الخميس خامس عشر شهر ربيع الأوّل المذكور من سنة إحدى وستين عمل السلطان المولد النبوىّ بالحوش من قلعة الجبل على العادة في كل سنة، غير أنه فرّق الشّقق الحرير على القرّاء والمدّاح، كل شقّة طولها خمسة أذرع إلى ثلاثة أذرع ونصف، ولم يفرق على أحد شقة كاملة إلا نادرا.
قلت: كل ذلك من سوء تدبير أرباب وظائفه وحواشيه، وإلا فما هو هذا النزر اليسير حتى يشحّ به مثل هذا الملك الجليل، ونفرض أنه عزم على ذلك فكان يمكنهم الكلام معه في ذلك، فإن عجزوا عن مدافعته كان أحد من أولاده وخواصه يقوم بهذا الأمر عنه من ماله، وليس في ذلك كبير أمر.
وفي يوم الأحد ثامن عشر شهر ربيع الأوّل المذكور وصل إلى القاهرة سنقر الأشرفى الدّوادار المعروف بقرق شبق، وكان توجّه قبل تاريخه إلى البلاد الحلبيّة لكشف أخبار ابن قرمان، وتجهيز العساكر الشّاميّة والحلبية، فوقع له هناك أمور وحوادث ذكرناها في غير هذا المحل، من قتل جماعة من تركمان ابن قرمان وغير ذلك.