أنه علم أن الذي يتعبث على الناس أو يسرق إنما هو من المماليك الأجلاب أو من أتباعهم، وعلم مع ذلك ميل السلطان إلى الأجلاب، واتفق بعد ذلك كثرة السّراق، وفتح البيوت، وهجم المناسر على الحارات، وكلّمه السلطان- فى ذلك- بكلام خشن، ووبّخه في الملأ، وكاد أن يفتك به، فأوهم الوالى السلطان- بالتلويح في كلامه- أن الذي يفعل ذلك إنما هو من المماليك الأجلاب، وكان الذي لوّحه الوالى إلى السلطان قوله:
«يا مولانا السلطان أنا مالى شغل ولا حكم على من يلبس طاقية- يعنى المماليك- وما حكمى إلا على العوام والحرامية» ، فسكت السلطان، ولم يكلمه بعد ذلك إلا في غير هذا المعنى، فوجد الوالى بذلك مندوحة لسائر أغراضه، وحطّ عنه واستراح، وانحل النظام، وضاعت حقوق الناس، وأخذ كل مفسد يتزيا بزى الجند، ويفعل ما أراده، وصار الوالى هو كبير الحراميّة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر اختفى الصاحب شمس الدين منصور، وتعطّل- بسبب غيابه- رواتب المماليك السلطانية، فاستغاثوا المماليك الأجلاب، ومنعوا الأمراء يوم الأربعاء من طلوع القلعة، وامتنعوا من طلوع الخدمة يوم الخميس أيضا رابع عشره، وطلع الأمير يونس الدّوادار إلى القلعة بغير قماش الخدمة، فلما وصل إلى باب القلعة احتاطت به المماليك الأجلاب، وسألوه أن يكلم السلطان في أمرهم، فدخل الأمير يونس المذكور إلى السلطان، وذكر له ذلك، ثم ترددت الرّسل بين السلطان وبينهم إلى أن آل الأمر إلى طلب سعد الدين فرج بن النحّال، واستقرّ وزيرا على عادته أولا على شروط، ونزل من وقته، وباشر الوزر، وسكن الأمر، وقد ذكر لى الصاحب شمس الدين: أنه لم يختف إلا بإذن السلطان.
وفي هذه الأيام فشا الطاعون بالقاهرة، وكان عدّة من ورد اسمه الديوان من الأموات فى يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر المذكور- الموافق لسابع عشر أمشير، وهو يوم تنتقل الشمس إلى برج الحوت- خمسة وثلاثين نفرا، ولها تفصيل، وذلك خارج عن البيمارستان المنصورى والأوقاف والقرافتين والصحراء وبولاق ومصر القديمة.