الشّر، غير سبّاب ولا فحّاش في حال غضبه ورضاه، وكان عارفا بالأمور والوقائع والحروب، شجاعا مقداما، كثير التجارب للخطوب والقتال، عظيم التروى في أفعاله، ثابتا فى حركاته ومهماته، له معرفة تامة بملوك الأقطار في البلاد الداخلة في حكمه، وفي الخارجة عن حكمه أيضا، عارفا بجهات ممالكه شرقا وغربا، فهما بفنون الفروسية وأنواعها، لا يحبّ تحرك ساكن ولا إثارة فتنة، وعنده تؤدة في كلامه واحتمال زائد، يؤديه ذلك إلى عدم المروءة عند من لا يعرف طباعه، ومن محاسنه أنه منذ سلطنته ما قتل أحدا من الأمراء ولا من الأجناد الأعيان، على قاعدة من تقدمه من الملوك، إلا من وجب عليه القتل بالشرع أو بالسياسة، وأيضا أنه كان قليلا ما يحبس أحدا ولا ينفيه، سوى من حبس في أوائل دولته من أعيان الأمراء كما هى عوائد أوائل الدولة، ثم بعد ذلك لم يتعرض لأحد بسوء، إلا أنه نفى جماعة عندما ركبوا عليه ثانيا في حدود سنة ستين، وخلع الخليفة القائم بأمر الله حمزة بسبب موافقته لهم على قتاله، ثم حبسه بالإسكندرية، وهو معذور في ذلك، ولو كان غيره من الملوك لفعل أضعاف ذلك، بل وقتل منهم جماعة كثيرة، وبالجملة فكانت أيّامه سكونا وهدوءا ورياقة وحضور بال، لولا ما شان سؤدده [من]«١» مماليكه الأجلاب، وفسدت أحوال الديار المصرية بأفعالهم القبيحة، ولولا أن الله تعالى لطف بموته، لكان حصل الخلل بها، وربما خربت وتلاشى أمرها، هذا ما أوردناه من محاسنه، بحسب القوة والباعثة.
وأما مساوئه، فكان بخيلا شحيحا مسيكا، يبخل ويشح حتى على نفسه، وكان عاريا من العلوم والفنون المتعلقة بالفضائل، كان أميّا لا يعرف القراءة والكتابة حتى كان لا يحسن العلامة على المناشير والمراسيم إلا برسم الموقع له بالنقط على المناشير، فيعيد هو على النقط بالقلم.
هذا مع طول مكثه في السعادة والرياسة والولايات الجليلة ثم السلطنة، ومع هذا لم يهتد إلى معرفة الكتابة على المناشير ولا غيرها، فهذا دليل على بلادة ذهنه وجمود