السلطان في إطلاق الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيدى أمير سلاح- كان- والأمير قانى باى الچاركسى الأمير آخور- كان- من سجن الإسكندرية، فلم يقبل السلطان شفاعته، وسوّف به إلى «١» وقت غير معلوم، وعلم السلطان أن مجىء ابن جانم هذا ليس هو بصدد الشفاعة فقط، وإنما هو لتجسس الأخبار وعمل مصلحة والده مع خچداشيته الأشرفية، وغيرهم من الظاهرية والمؤيدية، وكذا كان، ولم يظهر الملك المؤيد لأحد، وإنما أخذ في حساب جانم نائب الشام في الباطن، والتدبير عليه بكل ما تصل القدرة إليه، ولم يسعه يوم ذلك إلا أن تجاهل عليهم.
وهذا الأمر أحد أسباب حضور جانم إلى الديار المصرية حسبما يأتى ذكره مفصلا- إن شاء الله تعالى- فى ترجمة الملك الظاهر خشقدم، لأن يحيى ولد جانم لما حضر هذه الأيام إلى الديار المصرية اتفق مع أعيان المماليك الظاهرية بعد أن اصطلحوا مع المماليك الأشرفية- على عداوة كانت بينهم قديما وحديثا- ورضوا الظاهرية بسلطنة جانم عليهم، وهم أكره البرية فيه، حيث لم يجدوا بدا من ذلك؛ وما ذاك إلا خوفا من الملك المؤيد هذا، فكان أمرهم في هذا كقول القائل:
[الوافر]
وما من حبّه أحنو عليه ... ولكن بغض قوم آخرين
وسافر الشرفى يحيى بن مصر إلى جهة أبيه في يوم الجمعة خامس عشرين شعبان، بعد أن خلع عليه السلطان، وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وقد مهّد لأبيه الأمور بالدّيار المصرية مع الظاهرية، وأما الأشرفية خچداشيته فهم من باب أولى لا يختلف على جانم منهم اثنان، وما كان قصد جانم إلا رضاء الظاهريّة، وقد رضوا.
وسار يحيى وهو يظن أن أمر أبيه قد تم في سلطنة مصر، ولم يفطن إلى تقلبات الدهر، فلما أن وصل يحيى إلى والده حدّثه بما وقع له بمصر مع زيد وعمرو، وكان عند جانم- رحمه الله تعالى- خفّة لما كان أوحى إليه الكذابون من أقوال الفقراء، ورؤية