المنامات، وعبارات المنجمين، فتحقّق المسكين أنه لا بد له من السلطنة، ووافق ذلك صغر سن ولده يحيى، وعدم معرفته بالمكايد والتجارب، وحاله كقول من قال:
[الطويل]
ويا دارها بالخيف إنّ مزارها ... قريب، ولكن دون ذلك أهوال
وقوّى أمر يحيى وخفة جانم اجتماع تمراز الأشرفى الدّوادار المقدم ذكره بجانم في دمشق، وقد صدق هذا الخبر لما في نفسه من الملك المؤيد هذا، ومن أبيه الأشرف إينال لما عزله من الدّوادارية الثانية، وأخرجه من مصر بطالا إلى القدس، ثم وقع له معه ما حكيناه، هذا مع كثرة فتن تمراز، وقلة عقله، وسوء خلقه، وشؤم طلعته، فوافق تمراز يحيى، وتسلطا معا على جانم، ولا زالا به حتى وافقهما في الباطن، وأخذ في أسباب ذلك، فلم يمض إلا القليل، ووقع لجانم ما سنذكره مع عوام «١» دمشق من النهب والفتك به، وإخراجه من دمشق على أقبح وجه، حسبما هو مقول في ترجمة الملك الظاهر خشقدم بعد خلع المؤيّد.
وأما أمر الملك المؤيد هذا فإنه بعد خروج يحيى بن جانم، أخذ يوسع الحيلة والتدبير في أخذ جانم بكل طريق، فلم ير أحسن من أن يرسل بكاتب أعيان دمشق بالقبض على جانم المذكور إن أمكن، وهذا القول لم أذكره يقينا، ولكن على قول من قال عنه ذلك، وليس هو ببعيد لأن أهل دمشق وحكامها ما في قدرتهم القيام على نائب الشام إلا بدسيسة من السلطان، والله أعلم بحقيقة الأمر.
واستمر الملك المؤيّد على ما هو عليه بالديار المصرية، وأمره في انحطاط من عدم تدبيره في أواخر أمره، وأيضا من قلة المساعدة بالقول والفعل، وإلا فتدبيره هو كان فى غاية الحسن في أوائل أمره، غير أنه كان لا يعرف مداخلة الأتراك، ولا رأى تقلب «٢» الدّول، ولا حوله من رأى؛ لأنه أبعد الناس عنه قاطبة، وقرّب الأمير بردبك