وكان الباعث لهذه الفتنة ما قدّمناه، وأيضا الظاهرية، فإن الملك المؤيد لما تسلطن لم يحرك ساكنا «١» ولم يتغير أحد مما كان عليه، فشقّ ذلك على الظاهريّة، وقال كل منهم في نفسه: كأنّ الملك الأشرف إينال مامات، فإن الغالب كل «٢» منهم كان أخذ ما بيده من الإقطاعات، وحبس ونفى في أوّل سلطنة الأشرف إينال، كما هى عادة أوائل الدّول، وبقى منهم جماعة كثيرة بلا رزق ولا إمرة ولم يجدوا عندهم قوة ليخلعوا الملك المؤيد هذا ويسلطنوا غيره وحدهم، فكلموا الأشرفيّة في هذا المعنى غير مرّة، وترققوا لهم، فلم يقبلوا منهم ذلك، لنفرة كانت بين الطائفتين قديما وحديثا، وأيضا فلسان حال الأشرفية يقول عندما سألوهم الظاهريّة: نحن الآن في كفاية من الأرزاق والوظائف، فعلام نحرك ساكنا «٣» ، ونخاطر بأنفسنا؟ فعجزوا فيهم الظاهرية وقد ثقل عليهم الملك المؤيد، وكثر خوفهم منه، فإنه أوّل ما تسلطن أبرق وأرعد، فانخزى كل أحد، وحسبوا أنّ في السويداء رجالا، ولهذا قلت فيما تقدّم:
لو فعل ما فعل لمشى له ذلك، لمعرفتى بحال القوم وشجاعتهم.
وكان دخول المؤيد السلطنة بحرمة وافرة، لأن سنّه كان نحو الثلاثين سنة يوم تسلطن، وكان ولى الأتابكية في أيّام أبيه، وأخذ وأعطى، وسافر أمير حاج المحمل، وحجّ قبل ذلك أيضا وسافر البلاد، ومارس الأمور في حياة والده وهذا كله بخلاف من تقدّمه من سلاطين أولاد الملوك، فإن الغالب منهم حدث السّنّ يريد له من يدبّره، فإنه ما يعرف ما يراد منه، فيصير في حكم غيره من الأمراء فتتعلّق الآمال بذلك الأمير، وتتردّد الناس إليه، إلى أن يدبّر في سلطنة نفسه، بخلاف المؤيّد هذا. فإنه ولى السلطنة وهو يقول في نفسه:«إنه يدبر مع مملكة مصر ممالك العجم زيادة على تدبير مصر» .
قلت: وكان كما زعم، فإنه تقدم أنه كان عارفا عاقلا مباشرا، حسن التدبير،