فما تكون الحيلة في ذلك، ولا بدّ من قتال الملك المؤيّد في يومنا، والسلطان ما يقاتل إلا بسلطان مثله، ومتى تهاونّا في ذلك ذهبت أرواحنا» ، فعلم كلّ أحد ممن حضر أن كلام جانبك نائب جدّة صواب، وطاوعه كلّ من حضر على مقالته هذه، فلما وقع ذلك أجمع رأى الجميع على سلطنة أحد من أعيان الأمراء.
ثم تكلموا فيمن يكون هذا السلطان، فدار الكلام بينهم في هذا المعنى، إلى أن قال بعضهم:«سلطنوا الأمير جرباش المحمدى الناصرى أمير سلاح» ، فلم تحسن هذه المقالة ببال الأمير جانبك، ولم يقدر على منعه تصريحا «١» وقال: «جرباش أهل لذلك بلا مدافعة، غير أنه متى تسلطن لا يمكنكم صرفه من السلطنة بغيره- يعنى بالأمير جانم- تلويحا- لأنه رجل عظيم، ومن الجنس، وصهر خچداشنا بردبك البجمقدار، وصهر خچداشكم خيربك البهلوان الأشرفى وغيره، وقد قارب مجىء الأمير جانم من الشام، والأمر إليكم، ما شئتم إفعلوا» .
فكان هذا كله إبعادا لجرباش المذكور، وأخذا بخواطر الأشرفية، فمال كلّ أحد إلى كلامه، ثم قال جانبك:«الرأى عندى سلطنة الأمير الكبير خشقدم المؤيدى، فإنه من غير الجنس، يعنى كونه رومى الجنس، وأيضا إنه رجل غريب ليس له شوكة، ومتى أردتم خلعه أمكنكم ذلك، وحصل لكم ما تقصدونه من غير تعب» .
فأعجب الجميع هذا الكلام، وهم لا يعلمون مقصوده ولا غرضه؛ فإن جلّ قصد جانبك كان سلطنة خشقدم، فإنه مؤيّدى، وخچداشيّته جماعة يسيرة، وأيضا يستريح من جانم نائب الشام وتحكّم أعدائه الأشرفيه فيه وفي خچداشيته الظاهريّة، ويعلم أيضا أنه متى تمّ سلطنة الأتابك خشقدم، وأقام أياما عسر خلعه، وبعدت السلطنة عن جانم وغيره، فدبّر هذه المكيدة على الأشرفية، فمشت عليهم أولا، إلى أن ملكوا القلعة، وخلع الملك المؤيّد بسرعة فتنبّهوا لها.