وكانت الأشرفية لما سمعوا كلام جانبك، وقالوا:«نعم نرضى بالأمير الكبير» كان في ظنهم أن قتالهم يطول مع الملك المؤيّد أيّاما كثيرة، كما وقع في نوبة المنصور عثمان، ويأتيهم جانم وهم في أشد القتال، فلا يعدلون عنه لخشقدم، فيتمّ لهم ما قصدوه، فاتفقت كل طائفة مع الأخرى «١» فى الظاهر، وباطن كل طائفة لواحد، فساعد الدّهر الظاهريّة، وانهزم الملك المؤيّد في يوم واحد حسبما نذكره الآن.
فلما وقع هذا الكلام جاءت الطائفتان الأشرفيّة والظاهريّة إلى الأمراء وهم جلوس بمقعد الأمير الكبير خشقدم، والجميع جلوس بين يدى خشقدم، فافتتح الأمير جانبك نائب جدّة الكلام وقال:
«نحن- يعنى الظاهرية والأشرفية- نريد رجلا نسلطنه، يكون لا يميّز طائفة على أخرى، بل تكون جميع الطوائف عنده سواء في الأخذ والعطاء، والولاية والعزل، وأن يطلق الأمراء المحبوسين من سائر الطوائف، ويرسم في سلطنته بمجيء المنفيّين من البلاد الشّاميّة وغيرها إلى البلاد المصريّة، ويطلق الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى، والملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق من برجى الإسكندرية، ويسكنا الإسكندرية في أى دار شاءا، ويأذن لهما في الرّكوب إلى الجامع وغيره بثغر الإسكندرية من غير تحفّظ بهما.
وكان كلام الأمير جانبك لجميع الأمراء لم يخص أحدا منهم بكلام دون غيره، فبادر الأتابك خشقدم بالكلام وقال: «نعم» ثم التفت جانبك إلى الجمع، وقال:
«فمن يكون السلطان على هذا الحكم؟» فبدأ سنقر قرق شبق الأشرفى الزّردكاش، وقال ما معناه:«ما نرضى إلا بالأمير جانم نائب الشام، أنتم كتبتم «٢» له بالحضور، وأذعنتمو بسلطنته، فكيف تسلطنوا غيره؟ فنهره الأمير خيربك من جديد الأشرفى لنفس كان بينهما قديما، وقال: