«لست بأهل الكلام في مثل هذا المجلس» فعند ذلك قال الأمير قائم التاجر المؤيّدى أحد مقدمى الألوف ما معناه «يا جماعة إن كنتم كاتبتم الأمير جانم نائب الشام فلا تسلطنوا غيره إلى أن يحضر وسلطنوه، فإنه لا يسعكم من الله أن تسلطنوا غيره الآن ثم تخلعوه عند حضور جانم، فهذا شىء لا يكون» فلم يسمعوا كلامه، وسمع في الغوغاء قول قائل لا يعرف:
«سلطنوا الأمير جرباش» :
فامتنع جرباش من ذلك وقال ما معناه:«إن هذا شىء راجع إلى الأمير الكبير» ، وقبّل الأرض من وقته، «١» فقام الأمير جانبك الأشرفى الظريف الخازندار وبادر بأن قال: «السلطان الأمير الكبير» ، وقبّل الأرض «٢» ، ثم فعل ذلك جميع من حضر من الأمراء، ونودى بالحال بسلطنته بشوارع القاهرة، ثم شرعوا بعد ذلك في قتال الملك المؤيّد أحمد هذا.
كل ذلك والملك المؤيّد في القلعة في أناس قليلة من مماليكه ومماليك أبيه الأجلاب، ولم يكن عنده من الأمراء أحد غير مملوك والده قراجا الطويل الأعرج، أحد أمراء العشرات، وهو كلا شىء، والأمير آخور الكبير برسباى البجاسى، وليته لا كان عنده «٣» ، وخيربك القصروى نائب قلعة الجبل وكان أضرّ عليه من كل أحد حسبما يأتى ذكر فعله، كلّ ذلك والملك المؤيد لا يعلم حقيقة ما العزم فيه، غير أنه يعلم باجتماع المماليك والأمراء في بيت الأمير الكبير خشقدم، وأنهم في أمر مريج، غير أنه لا يعرف نص ما هم فيه، وصار الملك المؤيّد يسأل عن أحوالهم، وينتظر مجىء أحد من مماليك أبيه إليه، فلم يطلع إليه أحد منهم، بل العجب أن غالبهم كان مع القوم عند الأمير الكبير مساعدة على ابن أستاذهم، وليتهم كانوا من المقبولين، وإنما كانوا من المذبذبين