فلم يأته أحد منهم، فلما يئس منهم قام من الدّهيشة بعد أن جاءه الخبر بأخذ باب السلسلة واسترجاعها بيد مماليك أبيه الأجلاب، ولما جلس بالمقعد ورأى القوم قد تكاثف جمعهم وكثر عددهم، وهو فيما هو فيه من قلّة العساكر والمقاتلة، لم يكترث بذلك، وأخذ في الدفع عن نفسه بمن عنده، غير أن الكثرة غلبت الشجاعة، وما ثمّ شجاعة ولا دربة بمقاومة الحروب، وصار كذلك خذلانا من الله تعالى، فإنه لم يطلع إليه في هذا اليوم واحد من مماليك أبيه القديمة ولا خچداشيته، وما كان عنده من الأمراء غير قراجا المقدم ذكره، ومن أعيان الخاصكية فارس البكتمرى أحد الدّوادارية الأجناد، ومقبل دواداره قديما قبل سلطنته، وهؤلاء الثلاثة كلا شىء، ولولا ذكر أسماء من كان عنده علم خبر ما ذكرت مثل هؤلاء الأصاغر، وكان عنده مع هؤلاء أجلاب أبيه الذين بالأطباق، وهم عدة كبيرة نحو الألف أو دونها بيسير، أو أكثر منها بقليل، وهم الذين اشتراهم والده الأشرف بعد سلطنته من التجار، وأما الذين اشتراهم من تركة الظاهر جقمق ومن مماليك ولده الملك المنصور عثمان- وعدتهم تزيد على المائتين، وهم أعيان مماليك الأشرف إينال وأصحاب الوظائف والإقطاعات- فقد استمالهم الأمير جانبك نائب جدّة قبل ذلك، وقال لهم:«أنتم ظاهرية وشراء الأشرف لكم غير صحيح» فمالوا إلى كلامه وإحسانه وعطاياه الخارجة عن الحدّ في الكرم، وصاروا من حزب الظاهرية، وركبت الجميع معه في هذا اليوم، وقاتلوا ابن أستاذهم أشدّ قتال، وصاروا هم يوم ذلك أعيان العسكر بالشبيبة والإمكان والكثرة، هذا مع من كان مع الأتابك خشقدم من الناصرية والمؤيديّة والظاهرية والسيفية.
فلما رأى الملك المؤيّد كثرة هذه العساكر وميل مماليك والده معهم تعجّب غاية العجب، وعلم أن ذلك أمر ربّانىّ ليس فيه حيلة، وما هو إلا بذنب سلف من دعوة مظلوم غفلوا عنها لم يغفل الله عنها، أو للمجازاة؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وقد ركب أبوه الملك الأشرف إينال على الملك المنصور عثمان بعد أن تخوّل فى نعم الظاهر جقمق، فإنه هو الذي رقّاه وولّاه الأتابكية، فغدر به وخلعه من الملك، وتسلطن مكانه، وحبسه إلى أن مات.