للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأغرب من هذا كله أن الملك المؤيد هذا كان له أيام والده جماعة كبيرة من أعيان الظاهريّة والأشرفيّة والسيفية يصحبونه ويمشون في خدمته، ويتوجهون معه في الرّمايات والأسفار، وإحسانه متصل إليهم من الإنعام والمساعدة في الأرزاق والوظائف، فلم يطلع إليه واحد منهم، وأيضا فانضافوا «١» الجميع للأتابك خشقدم ومن معه قبل أن يستفحل أمر خشقدم ويضعف أمر المؤيد، فماذاك إلا عدم موافاة لا غير.

وأعجب من هذا أن أصحاب المؤيد ومماليك أبيه الذين تقدم ذكرهم ممّن انضاف مع الأتابك خشقدم كانوا يوم الواقعة من المقوتين لا من المتأهلين، وذلّ الإبعاد لائح عليهم، وكان يمكنهم «٢» تلافى الأمر والطلوع إلى الملك المؤيد ومساعدته، فلم يقع ذلك، فهذا هو السبب لقولى: إن هذا كله مجازاة لفعل والده السّابق، وقد ورد في الإسرائيليات، يقول الرب: «يا داود، أنا الرّب الودود، أعامل الأبناء بما فعل الجدود»

ثم التحم القتال بين الطائفتين مناوشة لا مصاففة، غير أن كلا من الطائفتين مصرّ على قتال الطائفة الأخرى، والملك المؤيد في قلة عظيمة من المقاتلة ممن يعرف مواقع الحرب وليس معه إلا أجلاب، وهذا شىء لم يقع لأحد غيره من السلاطين أولاد السلاطين؛ فإن الناس لم تزل أغراضا، ووقع ذلك للعزيز مع الملك الظاهر جقمق، فكان عند العزيز جماعة كثيرة من الأمراء والأعيان لا تدخل تحت حصر، وكذلك للمنصور عثمان مع الملك الأشرف إينال، وكان عنده خلائق من أعيان الأمراء، مثل الأمير تنم المؤيدى أمير سلاح، ومثل الأمير قانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير، وغيرهما من أعيان أمراء أبيه، ولا زالت الدنيا بالغرض، فقوم مع هذا، وقوم مع هذا، غير أن الملك المؤيد هذا لم يكن عنده أحد البتة، فانقلب الموضوع في شأنه؛ فإنه كان يمكن الذي وقع له يكون للعزيز والمنصور؛ فإنهما كانا حديثى سن، والذي وقع لهما-