أعنى العزيز والمنصور- كان يكون للمؤيّد؛ لأنه كبير سن، وصاحب عقل وتدبير- فسبحان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
قلت: ولهذا لم تطل وقعة المؤيد هذا، فإنه علم بذلك زوال ملكه، وتركه برسباى البجاسى الأمير آخور، وخيربك القصروى نائب قلعة الجبل، ونزلا إلى الأتابك خشقدم، فإن العادة في الحروب إذا كان كل من الطائفتين يقابل الأخرى في القوة والكثرة يقع القتال بين الطائفتين، وكلّ من الطائفتين يترجّى النّصرة، إلى أن يؤول النصر لإحدى الطائفتين، وتذهب الأخرى، إلّا هذه الوقعة لم يكن عند المؤيّد إلّا من ذكرناه. وأما عساكر الأتابك خشقدم فانتشرت على مفارق الطرق، فوقف الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة بجماعة كثيرة من خچداشيته ومماليكه برأس سويقة منعم، وتلقّى قتال الملك المؤيد بنفسه وبحواشيه المذكورين، وعظم أمر الأمير الكبير خشقدم به حتى تجاوز الحدّ «١» ، واجتهد جانبك المذكور في حرب المؤيد حتى أباده.
وكان الملك المؤيّد أولا يقرّب جانبك هذا في ابتداء سلطنته تقريبا هيّنا مع عدم التفات إليه ولا إلى غيره؛ لأنه كان يقول في نفسه: إن ابتداءه كانتهاء أبيه في العظمة، ولما تسلطن أخذ في الأمر والنهى أولا بغير حساب عواقب، استعزازا بكثرة ماله وبحواشيه ومماليك أبيه، فسار في الناس بعدم استمالة خواطرهم، وسار على ذلك مدّة أيام، وجعل جانبك هذا في أسوة من سلك معهم هذه الفعلة، فاستشارنى جانبك في أن يداخله لعله يرقّع عليه أمره، فإنه ما كان «٢» حمولا للذّل، وإنما كان طبعه أن يبذل