هذا والمناوشة بالقتال مستمرّة بين الطائفتين، وقد أفطر في هذا اليوم خلائق من شدة الحر، وتعاطى القتال من الطائفتين؛ وجرح جماعة كثيرة من الفريقين، فلم ينقض النهار حتى آل أمر الملك إلى زوال، وهو مع ذلك ينتظر من يجيء إليه لمساعدته، وهو بين عسى ولعلّ، وكاتب جماعة من أصحابه ممن كان عند الأتابك خشقدم؛ فلم يلتفت إليه أحد لتحقق الناس زوال ملكه.
وبينما الناس في ذلك وإذا بخير بك القصروى نائب قلعة الجبل ترك باب المدرّج، ونزل إلى الأمير الكبير خشقدم، وصار من حزبه، فعلم كلّ أحد أنه قد ذهب أمر الملك المؤيّد، ولو كان فيه بقية ما نزل نائب القلعة منها وانضاف إلى جهة الأمير الكبير، وبقى باب القلعة بغير ضابط، فأرسل الملك المؤيد في الحال بعض أصحابه وجلس مكان خيربك هذا، فلم يشكر أحد خيربك المذكور على فعلته هذه.
كل ذلك وأمر المؤيّد في انحطاط فاحش، وصارت العامة تسمعه المكروه من تحت القلعة: لا سيما لما دخل الليل، فإنه بات بالقصر في قلّة من الناس إلى الغاية؛ لأن غالب من كان عنده تركه ونزل إلى تحت، وكانوا في الأصل جمعا يسيرا، وبات من هو أسفل وقد استفحل أمرهم، وتأهبوا للقتال في غد، وهمتهم قد عظمت من كثرة عددهم، وتكاثف عساكرهم من كل طائفة، حتى من ليس له غرض عند أحد بعينه جاء إلى الأمير الكبير مخافة على رزقه ونفسه؛ لما علم من قوّة شوكة الأمير الكبير وما يؤول أمره إليه.
هذا مع حضور الخليفة والقضاة الأربعة عند الأمير الكبير وجميع أعيان الدولة من المباشرين وأرباب الوظائف وغيرهم، والملك المؤيد في أناس قليلة جدا، ومضت ليلة الأحد المذكور، والملك المؤيد في أقبح حال، هذا وقد عدم ترجّى من كان عنده بالقلعة من نصرته، وتقاعد غالب من كان عنده عن القتال، وهم الأجلاب من مماليك أبيه لا غير.
فلما أصبح نهار الأحد تاسع عشر شهر رمضان من سنة خمس وستين وثمانمائة