للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظهر ذلك عليهم، وبردت همتهم، وركضت ريح عزائمهم، وأخذ كل واحد من أصحابه فى مصلحة نفسه، إما بالإذعان للأمير الكبير خشقدم، أو بالتّجهّز للهرب والاختفاء، وظهر ذلك للملك المؤيد عيانا، فأراد أن يسلّم نفسه، ثم أمسك عن ذلك من وقته.

كلّ ذلك وأصحاب الأمير الكبير لا يعلمون بذلك، فقد أصبحوا في أفحل أمر، وأقوى شوكة، وأكثر عدد، وقد تهيئوا في هذا اليوم للقتال ومحاصرة قلعة الجبل، زيادة على ما كانوا عليه في أمسه، وفي نفوسهم أن أمر القتال يطول بينهم أيّاما، وبيناهم في ذلك ورد عليهم خبر الملك المؤيد مفصلا، وحكى لهم انحلال برمه وانفلاك أمره، وما هو فيه من أنه أراد غير مرّة تسليم نفسه، وزاد الحاكى وأمعن لغرض ما، فقوى بذلك قلوب من هو أسفل، وتشجّع كلّ جبان، فطلب المبارزة كلّ مولّ، وتقدّم كل من كان خاف هذا من هؤلاء، فكيف أنت بالشجاع المقدام؟!

فعند ذلك اجتمعوا على القتال، وزحفوا على القلعة بقلب رجل واحد، فقاتلهم عساكر الملك المؤيد قتالا ليس بذاك ساعة هيّنة، فلما رأى الملك المؤيد أن ذلك لا يفيده إلا شدّة وقسوة أمر عساكره ومقاتلته بالكفّ عن القتال، وقام من وقته وطلع القلعة بخواصه، وأمر أصحابه بالانصراف إلى حيث شاءوا.

ثم دخل هو إلى والدته خوند زينب بنت البدرى حسن بن خاص بك، وترك باب السّلسلة لمن يأخذه بالتسليم، وتمزّقت عساكره في الحال كأنها لم تكن، وزال ملكه في أقلّ ما يكون، فسبحان من لا يزول ملكه وبقاؤه الدائم الأبدى.

فلما بلغ الأمير الكبير خشقدم الخبر قام من وقته بمن معه من أصحابه وعساكره، وطلع إلى باب السلسلة، واستولى على الإسطبل السلطانى، وملك قلعة الجبل أيضا في الحال من غير مقاتل ولا مدافع، وأمر الأمير الكبير في الحال بقلع السّلاح وآلة الحرب وسكن الأمر، وخمدت الفتنة كأنها لم تكن، ثم أرسل الأتابك خشقدم في الحال جماعة من أصحابه قبضوا على الملك المؤيد أحمد هذا من الدّور السلطانية، فأمسك من غير ممانعة، وسلم نفسه، وأخرج من الدّور إلى البحرة من الحوش السلطانى، وحبس