هناك بعد أن قيّد واحتفظ به، وأمسك أخوه محمد أيضا، وحبس معه بالبحرة، فخرجت والدتهما خوند زينب المقدّم ذكرها معهما، وأقامت عندهما بالبحرة المذكورة، وقد علمت وعلم كلّ أحد أيضا بأن الذي وقع لهم من زوال ملكهم في أسرع وقت إنما هو بدعوة مظلوم غفلوا عنها، لم يغفل الله عنها، ولله در القائل:[الوافر]
أرى الدّنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار توبيخى وفتكى «١»
ولا يغرركم منّى ابتسام ... فقولى مضحك، والفعل مبكى
قلت:«على قدر الصّعود يكون الهبوط، وكما تدين تدان، وما ربّك بظلّام للعبيد، والجزاء من جنس العمل» وكأنّ لسان حال إسكندرية قبل ذلك يقول: «كل ثان لا بدّ له من ثالث» ، فالأوّل ممّن كان فيها من السّلاطين أولاد الملوك: الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى، وقد خلعه الملك الظاهر جقمق، وتسلطن مكانه، ثم الملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق، خلعه الملك الأشرف إينال، وتسلطن عوضه، وهو الثانى، فاحتاجت الإسكندرية إلى ثالث، ليجازى كلّ على فعله، فكان المؤيد هذا، خلعه الملك الظّاهر خشقدم، وتسلطن مكانه، واستولى على جميع حواصل الملك المؤيد وذخائره، فلم يجدوا فيها ما كان في ظنّهم، فطلبوا منه المال، فذكر أنّه أصرف جميع ما كان في خزانة والده في نفقة المماليك السّلطانية لما تسلطن، ولم يبق في الخزانة إلا دون المائة ألف دينار.
ثم تتّبعوا حواصله وحواشيه بعد ذلك، فأخذوا منهم زيادة على مائة ألف دينار، وبعض متاع، وصينى وقماش. واستمرّ الملك المؤيّد محتفظا به بالبحرة إلى ما سنذكره.