للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت مدّة تحكمه من يوم تسلطن إلى يوم خلع من السلطنة بالملك الظاهر خشقدم أربعة أشهر وستة أيام بغير تحرير، وبتحرير الأوقات والساعات:

وخمسة أيام.

ولما نكب الملك المؤيد وخلع من السلطنة على هذا الوجه كثر أسف الناس عليه إلى الغاية والنهاية، فإنه كان سار في سلطنته سيرة حسنة جميلة، وقمع أهل الفساد وقطّاع الطريق بجميع إقليم مصر، وأمنت السّبل في أيامه أمنا زائدا، واطمأنّت النفوس من تلك المخاوف التي كانت في أيام أبيه، وزالت أفعال الأجلاب بالكليّة مما أردعهم في أوائل سلطنته بالإخراق والوعيد وأبعدهم عنه، ثم سلك الطريق الجميلة فى الرعيّة فعظم حبّ الناس له، وانطلقت الألسن له بالدعاء والابتهال سرّا وعلانية، وسر بسلطنته كلّ أحد من الناس، ومالت القلوب إليه، لولا تكبّر كان فيه وعدم التفات إلى الأكابر، حسبما تقدّم ذكره، وهذا كان أكبر الأسباب لتوغّر خواطر الأمراء منه، وإلا فكان أهلا للسلطنة بلا نزاع، فلو أنّه سار مع الأمراء سيرة والده الأشرف من الملق، وأخذ الخواطر مع إرادة الله تعالى، لدامت أيّامه مقدار المواهب الإلهية، لأنه كان ملكا عارفا سيوسا، فطنا عالى الهمة يقظا، لولا ما شان سؤدده من التكبّر، ومصاحبة الأحداث، ولله در القائل:

[الطويل]

ومن ذا الّذى ترضى سجاياه كلّها؟ ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه «١»

ودام الملك المؤيد هذا بالبحرة من الحوش السلطانى بقلعة الجبل إلى يوم الثلاثاء حادى عشرين شهر رمضان فرسم السلطان الملك الظاهر خشقدم بتوجّهه وتوجّه أخيه محمد إلى سجن الإسكندرية، فأنزلا في باكر النهار المذكور، وأخرج الملك المؤيد هذا مقيّدا، وحمل على فرس، ولم يركب خلفه أحد من الأوجاقية «٢» - كما هى عادة