من يحمل من أعيان الأمراء إلى سجن الإسكندرية- فنزّهوا مقامه عن ذلك، وأنا أقول: لعل أنه ما قصدوا بذلك إجلاله، فإنه «١» ليس في القوم من هو أهل لهذه المعانى. وإنما الملك المنصور عثمان كان لما أنزل من القلعة إلى الإسكندرية على هذه الهيئة لم يركب خلفه أوچاقى، فظن القوم أن العادة لا يركب خلف السلطان أوچاقى ففعلوا بالمؤيد كذلك، ولقد سمعت هذا المعنى من جماعة من أكابر الجهلة المشهورين بالمعرفة، فلو قيل له: وأى سلطان أنزل من القلعة بعد خلعه من السلطنة إلى الإسكندرية على هذا الوجه، لما كان يسعه أن يقول رأيت ذلك في بلاد الچاركس- انتهى.
وحمل أخوه محمد أيضا على فرس آخر بغير قيد فيما أظن، ونزل أمامه، وبين يديهما مملوك أبيهما قراجا الأشرفى الطويل الأعرج على بغل بقيد، وخلفه أوچاقى- على عادة الأمراء- بسكين، وأنا أقول: عظم قراجا بهذا النزول مع هؤلاء الملوك في مثل هذا اليوم، والذي أراه أنا أنه كان يتوجّه بين يدى هؤلاء ماشيا إلى أن يصل إلى البحر، وإلا فهذا إجلال لقدر هذا الوضيع، وإن كان فيه ما فيه من النكد، ففيه ثوع من رفع مقامه.
وسار الجميع والعساكر محتفظة بهم، وعلى أكثرهم السلاح وآلة الحرب، وجلست الناس بالحوانيت والطّرقات والبيوت لرؤية الملك المؤيد هذا، كما هى عادة العوامّ وغيرهم من المصريين، وتوجهوا بهم من الصليبة إلى أن اجتازوا بالملك المؤيد وأخيه محمد على تلك الهيئة بدار أخته شقيقته زوجة الأمير يونس الدّوادار الكبير، وهو في حياض الموت، لمرض طال به أشهرا تجاه الكبش، فلما وقع بصر زوجة الأمير يونس على أخويها وهما في تلك الحالة العجيبة المهولة صاحت بأعلى صوتها هى ومن حولها من الجوارى والنسوة، فقامت عيطة عظيمة من الصّياح واللّطم والرءوس المكشوفة، فحصل للناس من ذلك أمر عظيم من بكاء وحزن وعبرة «٢» على ما أصاب هؤلاء من النّكبة